والأمر بالجهاد وذكر فضائله في الكتاب والسنة : أكثر من أن يحصر .
ولهذا كان أفضل ما تطوع به الإنسان وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة ومن الصلاة التطوع والصوم التطوع . كما دل عليه الكتاب والسنة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19005رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد } وقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11975إن في الجنة لمائة درجة ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله } متفق عليه وقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20418من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار } رواه
البخاري وقال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600414رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه . وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان } رواه
مسلم وفي السنن : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=101335رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل } وقال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600415عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرص في سبيل الله } قال
الترمذي حديث حسن . وفي مسند
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام [ ص: 353 ] أحمد : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600416حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها } وفي الصحيحين : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5208أن رجلا قال : يا رسول الله أخبرني بشيء يعدل الجهاد في سبيل الله ؟ قال : لا تستطيع . قال : أخبرني به ؟ قال : هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم لا تفطر وتقوم لا تفتر ؟ قال لا . قال : فذلك الذي يعدل الجهاد } . وفي السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7814إن لكل أمة سياحة وسياحة أمتي الجهاد في سبيل الله } .
وهذا باب واسع لم يرد في ثواب الأعمال وفضلها مثل ما ورد فيه .
وهو ظاهر عند الاعتبار فإن نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة فإنه مشتمل من محبة الله تعالى والإخلاص له والتوكل عليه وتسليم النفس والمال له والصبر والزهد وذكر الله وسائر أنواع الأعمال : على ما لا يشتمل عليه عمل آخر .
والقائم به من الشخص والأمة بين إحدى الحسنيين دائما . إما النصر والظفر وإما الشهادة والجنة .
فإن الخلق لا بد لهم من محيا وممات ففيه استعمال محياهم ومماتهم
[ ص: 354 ] في غاية سعادتهم في الدنيا والآخرة وفي تركه ذهاب السعادتين أو نقصهما ; فإن من الناس من يرغب في الأعمال الشديدة في الدين أو الدنيا مع قلة منفعتها فالجهاد أنفع فيهما من كل عمل شديد وقد يرغب في ترفيه نفسه حتى يصادفه الموت فموت الشهيد أيسر من كل ميتة وهي أفضل الميتات .
وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين . وأما
من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء ; إلا أن يقاتل بقوله أو فعله وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر ; إلا النساء والصبيان ; لكونهم مالا للمسلمين . والأول هو الصواب ; لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال الله تعالى : {
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=8327أنه مر على امرأة مقتولة في بعض مغازيه قد وقف عليها الناس . فقال : ما كانت هذه لتقاتل } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600417وقال لأحدهم : الحق خالدا فقل له : لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا } . وفيهما أيضا عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30486لا تقتلوا شيخا فانيا ولا [ ص: 355 ] طفلا صغيرا ولا امرأة } .
وذلك أن الله تعالى أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق كما قال تعالى : {
والفتنة أكبر من القتل } . أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر منه فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين لله لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه ; ولهذا قال الفقهاء : إن
الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة يعاقب بما لا يعاقب به الساكت .
وجاء في الحديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2570أن الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها ; ولكن إذا ظهرت فلم تنكر ضرت العامة } .
ولهذا أوجبت الشريعة قتال الكفار ولم توجب قتل المقدور عليهم منهم ; بل إذا أسر الرجل منهم في القتال أو غير القتال مثل أن تلقيه السفينة إلينا أو يضل الطريق أو يؤخذ بحيلة فإنه يفعل فيه الإمام الأصلح من قتله أو استعباده أو المن عليه أو مفاداته بمال أو نفس عند أكثر الفقهاء كما دل عليه الكتاب والسنة . وإن كان من الفقهاء من يرى المن عليه ومفاداته منسوخا .