صفحة جزء
فأما أهل الكتاب والمجوس فيقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .

[ ص: 356 ] ومن سواهم فقد اختلف الفقهاء في أخذ الجزية منهم إلا أن عامتهم لا يأخذونها من العرب وأيما طائفة انتسبت إلى الإسلام وامتنعت من بعض شرائعه الظاهرة المتواترة فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين حتى يكون الدين كله لله كما قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وسائر الصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة وكان قد توقف في قتالهم بعض الصحابة ثم اتفقوا حتى قال عمر بن الخطاب لأبي بكر رضي الله عنهما كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ; وحسابهم على الله } ؟ فقال له أبو بكر : فإن الزكاة من حقها . والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها قال عمر : فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال : فعلمت أنه الحق .

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة أنه أمر بقتال الخوارج ففي الصحيحين { عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم [ ص: 357 ] من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة } وفي رواية لمسلم { عن علي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز قراءتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم لنكلوا عن العمل } وعن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : { يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ; لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد } متفق عليه وفي رواية لمسلم : { يكون أمتي فرقتين فتخرج من بينهما مارقة يلي فتلهم أولى الطائفتين بالحق } .

فهؤلاء الذين قتلهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لما حصلت الفرقة بين أهل العراق والشام وكانوا يسمون الحرورية . بين النبي صلى الله عليه وسلم أن كلا الطائفتين المفترقتين من أمته وأن أصحاب علي أولى الطائفتين بالحق ولم يحرض إلا على قتال أولئك المارقين الذين خرجوا من الإسلام وفارقوا الجماعة واستحلوا دماء من سواهم من المسلمين وأموالهم .

فثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أنه يقاتل من خرج عن [ ص: 358 ] شريعة الإسلام وإن تكلم بالشهادتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية