وذلك
أن الله تعالى منذ بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وأعزه بالهجرة والنصرة صار الناس ثلاثة أقسام : قسما مؤمنين وهم الذين آمنوا به ظاهرا وباطنا .
وقسما كفارا وهم الذين أظهروا الكفر به .
وقسما منافقين وهم الذين آمنوا ظاهرا لا باطنا .
ولهذا افتتح " سورة البقرة " بأربع آيات في صفة المؤمنين وآيتين في صفة الكافرين . وثلاث عشرة آية في صفة المنافقين .
وكل واحد من الإيمان والكفر والنفاق له دعائم وشعب . كما
[ ص: 434 ] دلت عليه دلائل الكتاب والسنة وكما فسره أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الحديث المأثور عنه في الإيمان ودعائمه وشعبه .
فمن النفاق ما هو أكبر ويكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار ; كنفاق
عبد الله بن أبي وغيره ; بأن
يظهر تكذيب الرسول أو جحود بعض ما جاء به أو بغضه أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه أو المسرة بانخفاض دينه أو المساءة بظهور دينه . ونحو ذلك : مما لا يكون صاحبه إلا عدوا لله ورسوله . وهذا القدر كان موجودا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما زال بعده ; بل هو بعده أكثر منه على عهده ; لكون موجبات الإيمان على عهده أقوى . فإذا كانت مع قوتها وكان النفاق معها موجودا فوجوده فيما دون ذلك أولى .
وكما أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم بعض المنافقين ولا يعلم بعضهم كما بينه قوله : {
وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم } كذلك خلفاؤه بعده وورثته : قد يعلمون بعض المنافقين ولا يعلمون بعضهم . وفي المنتسبين إلى الإسلام من عامة الطوائف منافقون كثيرون في الخاصة والعامة . ويسمون "
الزنادقة " .
وقد اختلف العلماء في قبول توبتهم في الظاهر لكون ذلك لا
[ ص: 435 ] يعلم إذ هم دائما يظهرون الإسلام . وهؤلاء يكثرون في المتفلسفة : من المنجمين ونحوهم . ثم في الأطباء . ثم في الكتاب أقل من ذلك . ويوجدون في
المتصوفة والمتفقهة وفي المقاتلة والأمراء وفي العامة أيضا . ولكن يوجدون كثيرا في نحل أهل البدع ; لا سيما
الرافضة . ففيهم من الزنادقة والمنافقين ما ليس في أحد من أهل النحل . ولهذا كانت
الخرمية والباطنية والقرامطة والإسماعيلية والنصيرية ونحوهم من المنافقين الزنادقة : منتسبة إلى
الرافضة .
وهؤلاء المنافقون في هذه الأوقات لكثير منهم ميل إلى دولة هؤلاء
التتار ; لكونهم لا يلزمونهم شريعة الإسلام ; بل يتركونهم وما هم عليه . وبعضهم إنما ينفرون عن
التتار لفساد سيرتهم في الدنيا واستيلائهم على الأموال واجترائهم على الدماء والسبي ; لا لأجل الدين .
فهذا ضرب
النفاق الأكبر .