وقال رحمه الله فصل : فإذا
أكره السلطان أو اللصوص أو غيرهم رجلا على أداء مال بغير حق وأكره رجلا آخر على إقراضه أو الابتياع منه وأدى الثمن عنه أو إليه ليأخذوهم من المقترض والبائع سواء كان الإكراه على إقباض المكره ثم الأخذ منه أو على الأداء عنه فقط :
[ ص: 201 ] فهذه المسألة ونحوها تقع كثيرا وفيها وجهان : كما لو أخذ السلطان من أحد المختلطين في الماشية زيادة على الواجب عنهما بلا تأويل .
أحدهما : أن تلك الزيادة تذهب من مالكها وليس على الآخر شيء منها وإن كان السلطان أخذها عنها ; لأن الظالم ظلم هذا بأخذ ماله ونواه عن الآخر وهو ليس وليا للآخر ولا وكيلا عنه حتى تصح نيته ومجرد النية المحرمة لا يوجب ثبوت المال في ذمة المأخوذ عنه .
ولازم هذا القول أن أحد الشريكين في العقار والمنقول إذا أخذ السلطان ونوابه الوظائف الظلمية على المال أو أخذ قطاع الطريق من التجار عن المال الذي معهم شيئا من أحد الشريكين ; لأن المقبوض إذا كان من عين المال فإن أحد الشريكين لم يرجع على الآخر بنصيبه . وعلى هذا فلو كان المعطي وكيلا أو وليا كناظر الوقف ووصي اليتيم فيلزم إذا لم يكن ما أخذ منه من عين المال أن يكون من ضمانه ; لكن هذا إنما يلزم إذا لم يكن الدفع لحفظ المال بل كان الدفع لأنه أكره على الأداء . فأما إذا لم يمكن حفظ المال إلا بما دفعه عنه فهذا التصرف لحفظ المال وهو بمنزلة إعطاء الخفارة لحفظه وإعطاء النواطير لدفع اللصوص والسباع .
وأيضا فالولي والوكيل مأذون لهما عرفا في مثل هذا الدفع ; فإنه
[ ص: 202 ] لم يتوكل على أنه يضرب ويحبس على مال يؤدي عن المال فيتضرر ولا يؤديه ; بخلاف ما يوجد من الأجنبي ; لكن هذا الدليل بعينه وارد في أحد الشريكين . فإن كلاهما وكيل الآخر في شركة العقود .
وأيضا فيفرق بين الكلف النوابية السلطانية وبين المظالم العارضة .