صفحة جزء
وسئل عن رجل اشترى من رجل دارا بألف درهم وهي تساوي ألفي درهم ثم إن المشتري أجر البائع الدار مدة من الشهور بدراهم معلومة في تاريخه على الفور وهو بينهما بيع أمانة في الباطن . هل يصح هذا العقد على هذا الحكم ؟ وهل يلزم البائع الأصلي مبلغ مدة الإجارة ؟ أم لا ؟ وقد ورد في الحديث أنه روي عن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قرض جر منفعة } وهل ذلك من نوع ذلك أم لا ؟ وهل جاء في الحديث { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استسلف من رجل بكرا فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكرا فقلت لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أعطه فإن خياركم أحسنكم قضاء } وهل ذلك من الأحاديث الصحاح أم لا ؟ .


فأجاب : إذا كان المقصود أن يأخذ أحدهما من الآخر دراهم [ ص: 334 ] وينتفع المعطي بعقار الآخر مدة مقام الدراهم في ذمته فإذا أعاد الدراهم إليه أعاد إليه العقار فهذا حرام بلا ريب وهذا دراهم بدراهم مثلها ومنفعة الدار وهو الربا البين ، وقد اتفق العلماء على أن المقرض متى اشترط زيادة على قرضه كان ذلك حراما وكذلك إذا تواطأ على ذلك في أصح قولي العلماء وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن . ولا بيع ما ليس عندك } حرم النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين السلف والبيع ; لأنه إذا أقرضه وباعه : حاباه في البيع لأجل القرض وكذلك إذا آجره وباعه . وما يظهرونه من بيع الأمانة الذي يتفقون فيه على أنه إذا جاءه بالثمن أعاد إليه المبيع هو باطل باتفاق الأئمة سواء شرطه في العقد أو تواطأ عليه قبل العقد على أصح قولي العلماء والواجب في مثل هذا أن يعاد العقار إلى ربه والمال إلى ربه ويعزر كل من الشخصين إن كانا علما بالتحريم . والقرض الذي يجر منفعة قد ثبت النهي عنه عن غير واحد من الصحابة الذين ذكرهم السائل وغيرهم : كعبد الله بن سلام وأنس بن مالك وروي ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه ابن ماجه وغيره .

وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن سلام : " إنك بأرض الربا فيها فاش فإذا أقرضت رجلا قرضا فأهدى لك حمل تبن أو حمل [ ص: 335 ] قت فاحسبه له من قرضه " وقال رجل لابن عباس : إني أقرضت سماكا عشرين درهما فأهدى لي سمكة فقومتها ثلاثة عشر درهما فقال لا تأخذ منه إلا سبعة دراهم . وحديث البكر حديث صحيح .

فإذا وفاه المقرض خيرا من قرضه بلا مواطأة جاز ذلك وإن وفاه أكثر من قرضه ، ففيه قولان للعلماء . وذلك لأن هذا زيادة بعد وفاء القرض ; بخلاف ما إذا أهدى إليه قبل الوفاء فإنه إذا لم يحسبه من القرض كان القرض باقيا في ذمته على أن يأخذه مع الهدية والهدية إنما كانت بسبب القرض . وقد { قال النبي صلى الله عليه وسلم ما بال الرجل نستعمله على العمل مما ولانا الله فيقول : هذا لكم وهذا أهدي إلي أفلا قعد في بيت أبيه أو أمه فينظر أيهدى إليه ؟ أم لا ؟ } .

فبين أن الهدية إذا كانت بسبب ألحقت به ; فلهذا كان المأثور عن الصحابة وجمهور الأئمة : أن الهدية قبل الوفاء تحسب لصاحبها ; بخلاف زيادة الصفة في الوفاء .

وأما صورته : وهو أن يتواطآ على أن يبتاع منه العقار بثمن ثم يؤجره إياه إلى مدة وإذا جاءه بالثمن أعاد إليه العقار . فهنا المقصود إن المعطي شيئا أدى الأجرة مدة بقاء المال في ذمته ولا فرق بين أخذ المنفعة وبين عوض المنفعة الجميع حرام .

[ ص: 336 ] وهذا وإن كان قد رخص فيه طائفة من الفقهاء بناء على أن ذلك لم يشترط في العقد وأن المواطأة والنية لا تؤثر في العقود . فالصواب الذي عليه الكتاب والسنة واتفق عليه الصحابة وهو قول أكثر الأئمة : تحريم مثل ذلك . وأن النيات معتبرة في العقود كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى } والشرط المتقدم كالمقارن له .

وقد عاتب الله من أسقط الواجبات واستحل المحرمات : بالحيل والمخادعات كما ذكر ذلك في سورة " ن " وفي قصة أهل السبت وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل } . وقال أيوب السختياني : يخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون علي . ودلائل هذا مبسوطة في كتاب كبير .

التالي السابق


الخدمات العلمية