[ ص: 446 ] وسئل عن الرجل يبيع سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها من ذلك الرجل بأقل من ذلك الثمن حالا . هل يجوز ؟ أم لا ؟ .
فأجاب : أما إذا باع السلعة إلى أجل واشتراها من المشتري بأقل من ذلك حالا فهذه تسمى " مسألة العينة " وهي غير جائزة عند أكثر العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم . وهو المأثور عن الصحابة كعائشة وابن عباس وأنس بن مالك . فإن ابن عباس سئل عن حريرة بيعت إلى أجل ثم اشتريت بأقل . فقال : دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة .
وأبلغ من ذلك أن ابن عباس قال : إذا استقمت بنقد ثم بعت بنسيئة فتلك دراهم بدراهم . فبين أنه إذا قوم السلعة بدراهم ثم باعها إلى أجل فيكون مقصوده دراهم بدراهم والأعمال بالنيات . وهذه تسمى " التورق " .
فإن المشتري تارة يشتري السلعة لينتفع بها . وتارة يشتريها [ ص: 447 ] ليتجر بها فهذان جائزان باتفاق المسلمين . وتارة لا يكون مقصوده إلا أخذ دراهم فينظر كم تساوي نقدا فيشتري بها إلى أجل ثم يبيعها في السوق بنقد فمقصوده الورق فهذا مكروه في أظهر قولي العلماء كما نقل ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز وهو إحدى الروايتين عن أحمد .
وأما عائشة فإنها قالت لأم ولد زيد بن أرقم لما قالت لها : إني ابتعت من زيد بن أرقم غلاما إلى العطاء بثمانمائة وبعته منه بستمائة . فقالت عائشة : بئس ما بعت وبئس ما اشتريت . أخبري زيدا أن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطل إلا أن يتوب . قالت : يا أم المؤمنين أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي فقالت لها عائشة : { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله } .
وأصل هذا الباب : أن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى . فإن كان قد نوى ما أحله الله فلا بأس وإن نوى ما حرم الله وتوصل إليه بحيلة فإن له ما نوى . والشرط بين الناس [ ص: 448 ] ما عدوه شرطا كما أن البيع بينهم ما عدوه بيعا والإجارة بينهم ما عدوه إجارة وكذلك النكاح بينهم ما عدوه نكاحا ; فإن الله ذكر البيع والنكاح وغيرهما في كتابه ولم يرد لذلك حد في الشرع ولا له حد في الفقه .
والأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع كالصلاة والزكاة والصيام والحج وتارة باللغة كالشمس والقمر والبر والبحر وتارة بالعرف كالقبض والتفريق .
وكذلك العقود كالبيع والإجارة والنكاح والهبة وغير ذلك فما تواطأ الناس على شرط وتعاقدوا فهذا شرط عند أهل العرف .