فأجاب : الحمد لله رب العالمين . أما رؤيا موسى عليه السلام في الطواف فهذا كان رؤيا منام لم يكن ليلة المعراج كذلك جاء مفسرا كما رأى المسيح أيضا ورأى الدجال . وأما رؤيته ورؤية غيره من الأنبياء ليلة المعراج في السماء لما رأى آدم في السماء الدنيا ورأى يحيى وعيسى في السماء الثانية ويوسف في الثالثة وإدريس في الرابعة وهارون في الخامسة وموسى في السادسة وإبراهيم في السابعة أو بالعكس فهذا رأى أرواحهم مصورة في صور أبدانهم .
وقد قال بعض الناس : لعله رأى نفس الأجساد المدفونة في القبور ; وهذا ليس بشيء . [ ص: 329 ] لكن " عيسى " صعد إلى السماء بروحه وجسده وكذلك قد قيل في " إدريس " . وأما " إبراهيم " " وموسى " وغيرهما فهم مدفونون في الأرض . والمسيح - صلى الله عليه وسلم وعلى سائر النبيين - لا بد أن ينزل إلى الأرض على المنارة البيضاء شرقي دمشق فيقتل الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة ; ولهذا كان في السماء الثانية مع أنه أفضل من يوسف وإدريس وهارون ; لأنه يريد النزول إلى الأرض قبل يوم القيامة بخلاف غيره .
وآدم كان في سماء الدنيا لأن نسم بنيه تعرض عليه : أرواح السعداء - والأشقياء لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط - فلا بد إذا عرضوا عليه أن يكون قريبا منهم . وأما كونه رأىموسى قائما يصلي في قبره ورآه في السماء أيضا فهذا لا منافاة بينهما فإن أمر الأرواح من جنس أمر الملائكة . في اللحظة الواحدة تصعد وتهبط كالملك ليست في ذلك كالبدن . وقد بسطت الكلام على أحكام الأرواح بعد مفارقة الأبدان في غير هذا الموضع وذكرت بعض ما في ذلك من الأحاديث والآثار والدلائل .
ويتنعمون بمخاطبتهم لربهم ومناجاته وإن كانت هذه الأمور في الدنيا أعمالا يترتب عليها الثواب ; فهي في الآخرة أعمال يتنعم بها صاحبها أعظم من أكله وشربه ونكاحه وهذه كلها أعمال أيضا ; والأكل والشرب والنكاح في الدنيا مما يؤمر به ويثاب عليه مع النية الصالحة وهو في الآخرة نفس الثواب الذي يتنعم به والله أعلم . وهذا قدر ما احتملته هذه الورقة فإن هذه المسائل لها بسط طويل .