فأجاب : الحمد لله رب العالمين . هذه المسألة فيها مذهبان مشهوران للعلماء وكل منهما مذكور عن طائفة من السلف وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14953أبو يعلى في ذلك روايتين عن أحمد ونصر أنه إسحاق اتباعا لأبي بكر عبد العزيز وأبو بكر اتبع محمد بن جرير . ولهذا يذكر أبو الفرج ابن الجوزي : أن أصحاب أحمد ينصرون أنه إسحاق وإنما ينصره هذان ومن اتبعهما ويحكى ذلك عن مالك نفسه لكن خالفه طائفة من أصحابه .
وذكر الشريف أبو علي بن أبي يوسف : أن الصحيح في مذهب أحمد أنه إسماعيل وهذا هو الذي رواه عبد الله بن أحمد عن أبيه قال : مذهب أبي أنه إسماعيل وفي الجملة فالنزاع فيها مشهور لكن الذي يجب القطع به أنه إسماعيل وهذا الذي عليه الكتاب والسنة والدلائل المشهورة وهو الذي تدل عليه التوراة التي بأيدي أهل الكتاب . [ ص: 332 ] وأيضا فإن فيها أنه قال لإبراهيم : اذبح ابنك وحيدك . وفي ترجمة أخرى : بكرك . وإسماعيل هو الذي كان وحيده وبكره باتفاق المسلمين وأهل الكتاب لكن أهل الكتاب حرفوا فزادوا إسحاق فتلقى ذلك عنهم من تلقاه وشاع عند بعض المسلمين أنه إسحاق وأصله من تحريف أهل الكتاب .
( الوجه الثالث : أنه ذكر في الذبيح أنه غلام حليم ولما ذكر البشارة بإسحاق ذكر البشارة بغلام عليم في غير هذا الموضع والتخصيص لا بد له من حكمة [ ص: 334 ] وهذا مما يقوي اقتران الوصفين والحلم هو مناسب للصبر الذي هو خلق الذبيح . وإسماعيل وصف بالصبر في قوله تعالى . { واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار } وهذا أيضا وجه ثالث فإنه قال في الذبيح : { يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين } وقد وصف الله إسماعيل أنه من الصابرين ووصف الله تعالى إسماعيل أيضا بصدق الوعد في قوله تعالى { إنه كان صادق الوعد } لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى به .
ولهذا جعلت منى محلا للنسك من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهما اللذان بنيا البيت بنص القرآن . ولم ينقل أحد أن إسحاق ذهب إلى مكة لا من أهل الكتاب ولا غيرهم لكن بعض المؤمنين من أهل الكتاب يزعمون أن قصة الذبح كانت بالشام فهذا افتراء . فإن هذا لو كان ببعض جبال الشام لعرف ذلك [ ص: 336 ] الجبل وربما جعل منسكا كما جعل المسجد الذي بناه إبراهيم وما حوله من المشاعر . وفي المسألة دلائل أخرى على ما ذكرناه وأسئلة أوردها طائفة كابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=14953والقاضي أبي يعلى والسهيلي ولكن لا يتسع هذا الموضع لذكرها والجواب عنها . والله عز وجل أعلم . والحمد لله رب العالمين . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .