فأجاب : إذا امتنع مما يجب عليه من إظهار ماله والتمكين من توفية الناس جميع حقوقهم وكان ماله ظاهرا واحتيج إلى التوفية إلى فعل منه وامتنع منه وأصر على الحبس : فإنه يعاقب بالضرب حتى يقوم بالواجب عليه في ذلك في مذهب عامة الفقهاء .
وقد صرح بذلك أصحاب مالك والشافعي من العراقيين والخراسانيين وأصحاب الإمام أحمد وغيرهم .
ولا نعلم في ذلك نزاعا بل كرروا هذه المسألة في غير موضع من كتبهم ; فإنهم مع ذكرهم لها في موضعها المشهور ذكروها في غيره كما ذكروها في ( باب نكاح الكفار وجعلوها أصلا قاسوا عليه إذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع نسوة وامتنع من الاختيار [ ص: 23 ] قالوا : يضرب حتى يختار ; لأنه امتنع من فعل وجب عليه ويضرب حتى يقوم به كما لو امتنع من أداء الدين الواجب عليه فإنه يضرب حتى يؤديه .
فإذا كانت العقوبة على ترك الواجب - كعقوبة هذا وأمثاله من تاركي الواجب - عوقب حتى يفعله ; ولهذا قال العلماء الذين ذكروا هذه المسألة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم : أنه يضرب مرة بعد أخرى .
حتى يؤدي .
ثم منهم من قدر ضربه في كل مرة بتسعة وثلاثين سوطا .
ومنهم من لم يقدره ; بناء على أن التعزير هل هو مقدر ؟ أم ليس بمقدر ؟ للحاكم أن يعزره على امتناعه عقوبة لما مضى وله أيضا أن يعاقبه حتى يتولى الوفاء الواجب عليه وليس على الحاكم أن يتولى هو بيع ماله ووفاء الدين .
[ ص: 24 ] وإن كان ذلك جائزا للحاكم ; لكن متى رأى أن يلزمه هو بالبيع والوفاء زجرا له ولأمثاله عن المطل أو لكون الحاكم مشغولا عن ذلك بغيره أو لمفسدة تخاف من ذلك كانت عقوبته بالضرب حتى يتولى ذلك .
فإن قال : إن في بيعه بالنقد في هذا الوقت علي خسارة ; ولكن أبيعه إلى أجل وأحيلكم به .
وقال الغرماء : لا نحتال ; لكن نحن نرضى أن يباع إلى هذا الأجل وأن يستوفي ويوفي .
وما ذهب على المشتري كان من ماله .
فإنه يجاب الغرماء إلى ذلك .
وللحاكم أن يبيعه ويقيم من يستوفي ويوفي مع عقوبته على ترك الواجب .
وللغرماء أن يطلبوا تعجيل بيع ما يمكن بيعه نقدا إذا بيع بثمن المثل .
ويجب عليه الإجابة إلى ذلك .
وللحاكم أن يفعله كما تقدم وأن يعاقبه على ترك الواجب . والله أعلم .