[ ص: 345 ] سئل الشيخ رحمه الله - عن " آدم " لما خلقه الله ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته : هل سجد ملائكة السماء والأرض ؟ أم ملائكة الأرض خاصة ؟ وهل كان جبرائيل وميكائيل مع من سجد ؟ وهل كانت الجنة التي سكنها جنة الخلد الموجودة ؟ أم جنة في الأرض خلقها الله له ؟ ولما أهبط هل أهبط من السماء إلى الأرض ؟ أم من أرض إلى أرض مثل بني إسرائيل .
فأجاب : - الحمد لله . بل أسجد له جميع الملائكة كما نطق بذلك القرآن في قوله تعالى { فسجد الملائكة كلهم أجمعون } فهذه ثلاث صيغ مقررة للعموم وللاستغراق ; فإن قوله : { الملائكة } يقتضي جميع الملائكة ; فإن اسم الجمع المعرف بالألف واللام يقتضي العموم : كقوله : " رب الملائكة والروح " فهو رب جميع الملائكة ( الثاني : { كلهم } وهذا من أبلغ العموم . ( الثالث قوله : { أجمعون } وهذا توكيد للعموم .
فمن قال إنه لم يسجد له جميع الملائكة ; بل ملائكة الأرض فقد رد القرآن [ ص: 346 ] بالكذب والبهتان وهذا القول ونحوه ليس من أقوال المسلمين واليهود والنصارى ; وإنما هو من أقوال الملاحدة المتفلسفة الذين يجعلون " الملائكة " قوى النفس الصالحة " والشياطين " قوى النفس الخبيثة ويجعلون سجود الملائكة طاعة القوى للعقل وامتناع الشياطين عصيان القوى الخبيثة للعقل ; ونحو ذلك من المقالات التي يقولها أصحاب " رسائل إخوان الصفا " وأمثالهم من القرامطة الباطنية ومن سلك سبيلهم من ضلال المتكلمة والمتعبدة .
وقد يوجد نحو هذه الأقوال في أقوال المفسرين التي لا إسناد لها يعتمد عليه . ومذهب المسلمين واليهود والنصارى : ما أخبر الله به في القرآن ولم يكن في المأمورين بالسجود أحد من الشياطين ; لكن أبوهم إبليس هو كان مأمورا فامتنع وعصى وجعله بعض الناس من الملائكة لدخوله في الأمر بالسجود وبعضهم من الجن لأن له قبيلا وذرية ولكونه خلق من نار والملائكة خلقوا من نور . والتحقيق : أنه كان منهم باعتبار صورته وليس منهم باعتبار أصله ولا باعتبار مثاله ولم يخرج من السجود لآدم أحد من الملائكة : لا جبرائيل ولا ميكائيل ولا غيرهما . وما ذكره صاحب خواص القرآن وأمثاله من خلاف فأقوالهم باطلة قد بينا فسادها وبطلانها بكلام مبسوط ليس هذا موضعه .
وهذا مما استدل به أهل السنة على أن آدم وغيره من الأنبياء والأولياء [ ص: 347 ] أفضل من جميع الملائكة ; لأن الله أمر الملائكة بالسجود له إكراما له ; ولهذا قال إبليس : { أرأيتك هذا الذي كرمت علي } فدل على أن آدم كرم على من سجد له . و " الجنة " التي أسكنها آدم وزوجته عند سلف الأمة وأهل السنة والجماعة : هي جنة الخلد ومن قال : إنها جنة في الأرض بأرض الهند أو بأرض جدة أو غير ذلك فهو من المتفلسفة والملحدين أو من إخوانهم المتكلمين المبتدعين فإن هذا يقوله من يقوله من المتفلسفة والمعتزلة .