وسئل رحمه الله عمن استأجر أرض بستان من مشارف الأجناس مدة ثم توفي المستأجر وخلف أولادا والأجرة مقسطة : في كل سنة عشرون درهما وقد طلب من أولاد المستأجر المتوفى تعجيل الأجرة بكمالها . فهل يلزم الأولاد جميع الإجارة ؟ أو يأخذ منهم على أقساطها في كل سنة ؟ .
فأجاب : لا يجب على أولاده تعجيل جميع الأجرة - والحال هذه - لكن إذا لم يثق أهل الأرض بذمتهم فلهم أن يطالبوهم بمن يضمن لهم الأجرة في أقساطها .
وأما على قول من يقول : إنه يحل عليه وكذلك هنا على [ ص: 155 ] الصحيح من قولي العلماء ; لأن الوارث الذي ورث المنفعة عليه أجرة تلك المنفعة التي استوفاها ; بحيث لو كان على الميت ديون لم يكن للوارث أن يختص بمنفعة ويزاحم أهل الديون بالأجرة ; بناء على أنها من الديون التي على الميت كما لو كان الدين ثمن مبيع نافذ ; بمنزلة أن تنتقل المنفعة إلى مشتر أو متهب مثل أن يبيع الأرض أو يهبها أو يورث فإن الأرض من حين الانتقال تلزم المشتري والمتهب والولد : في أصح قولي العلماء كما عليه عمل المسلمين ; فإنهم يطالبون المشتري والوارث بالحكر قسطا لا يطالبون الحكر جميعه من البائع .
أو تركة الميت ; وذلك لأن المنافع لا تستقر الأجرة إلا باستيفائها فلو تلفت المنافع قبل الاستيفاء سقطت الأجرة بالاتفاق .
والشافعي وأحمد وإن قالا : تملك بالعقد وتملك المطالبة إذا سلم العين فلا نزاع أنها لا تجب إلا باستيفاء المنفعة ولا نزاع في سقوطها بتلف المنافع قبل الاستيفاء .
ولا نزاع أنها إذا كانت مؤجلة لم تطلب إلا عند محل الأجل .
فإذا خلف الوارث ضامنا وتعجل الأجل الذي لم يجب إلا مؤخرا مع تأخير استيفاء حقه من المنفعة كان هذا ظلما له مخالفا للعدل الذي هو [ ص: 156 ] مبنى المعاوضة وإذا لم يرض الوارث بأن تجب عليه الأجرة وقال المؤجر أنا ما أسلم إليك المنفعة لتستوفي حقه منها فأوجبنا عليه أداء الأجرة حالة من التركة مع تأخر المنفعة : تبين ما في ذلك من الحيف عليه .
وأما إذا كان المؤجر وقفا ونحوه .
فهنا ليس للناظر تعجيل الأجرة كلها بل لو شرط ذلك لم تجز ; لأن المنافع المستقبلة إذا لم يملكها وإنما يملك أجرتها ما يحدث في المستقبل فإذا تعجلت من غير حاجة إلى عمارة كان ذلك أخذا لما لم يستحقه الموقوف عليه الآن .
وأجاب : لا يلزم تعجيل الأجرة في أصح قولي العلماء ; لا سيما إذا كان المستأجر حبسا فإن تعجيل الأجرة في الحبس لا يجوز إلا لعمارة ونحوها ; لأن منافع الحبس يستحقها الموقوف عليه طبقة بعد طبقة .
وكل قوم يستحقون أجرة المنافع الحادثة في زمانهم فإن تسلفوا منفعة المستقبل كانوا قد أخذوا عوض ما لم يستحقوه من الوقف وهذا لا يجوز ; لكن إذا طلب أهل المال من ورثة المستأجر ضمينا بالأجرة فلهم ذلك .
ويبقى المال في ذمة الورثة مع ضامن خبير لأهل الوقف من يسكنه مع أنه لو لم يكن وقفا لم يحل بموت المدين .
وكذلك على قول من يقول بحلوله في أظهر قوليهم ; إذ يفرقون بين الإجارة وغيرها كما يفرقون في الأرض المحتكرة إذا بيعت أو [ ص: 157 ] ورثت فإن الحكر يكون على المشتري والوارث وليس لهم أخذه من البائع وتركة الميت : في أظهر قوليهم .