وسئل رحمه الله عن أقوام ساكنين بقرية من قرى الفيوم والقرية قريبة من الجبل يرى فيها بعض السنين النصف فلما كان في هذه السنة كتب على المشايخ إجارة البلدي مدة ثلاث سنين قبل خلو الأرض من الإجارة الماضية وقبل فراغ الأرض من الزرع . فهل تصح هذه الإجارة ؟ .
وأما لو كانوا استأجروها مختارين أو مكرهين بحق وكانت حين الإجارة في إجارة آخرين فهذه تسمى الإجارة المضافة .
كما عليه المسلمون في غالب الأعصار والأمصار إذ لا محذور فيها يبطل الإجارة كعقد البيع فلا فرق بين أن تكون المنفعة على العقد أو لا تكون .
وكون المستأجر لا يقبض عقيب العقد لا يضر فإن القبض يتبع موجب العقد ومقتضاه فإن اقتضى القبض عقيبه وجب قبضه عقيبه وإن اقتضى تأخر القبض وجب القبض حين أوجبه العقد ; إذ المقبوض [ ص: 159 ] في العقد ليس مما أوجبه الشارع على صفة معينة ; بل المرجع في ذلك إلى ما أوجبا في العقد .
ولهذا لو باع نخلا لم تؤبر كان الثمر للبائع عند مالك والشافعي والإمام أحمد كما دلت عليه السنة وكان للبائع أن يدخل لأجل ثمره .
وإن كان ذلك ينافي القبض التام : فلو باع أمة مزوجة كانت منفعة البضع على ملك الزوج لم تدخل فيما يقبضه المشتري لنفسه باتفاق الأئمة الأربعة وكذلك العين المؤجرة عند أكثر العلماء ; فلهذا صح عند طوائف منهم استيفاء منفعة العين في البيع والهبة والوقف والعتق وغير ذلك .
كما اقتضى حديث كما هو مذهب مالك وأحمد .
ولهذا لو أقبض العين المؤجرة كانت في المنفعة مع خراج تصرف المستأجر فيها باقية على ضمان المؤجر فلو تلفت بآفة سماوية كانت من ضمانه باتفاق المسلمين .
وكذلك يقول مالك وأحمد وغيرهما في بيع الثمار إذا أصابتها جائحة .
وبالجملة فلا يحرم من العقود إلا ما حرمه نص أو إجماع أو قياس في معنى ما دل على النص أو الإجماع فكل ذلك منتف في الإجارة المضافة وإذا استأجر الأرض وفيها زرع للغير فإنه يبقى لصاحبه بأجرة المثل كما تبقى لو لم يؤجر الأرض . والله أعلم . [ ص: 160 ]