وأفضل " الصحابة " الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي . فما الدليل على تفضيل أبي بكر على عمر ؟ وتفضيل عمر على عثمان وعثمان على علي ؟ فإذا تبين ذلك فهل تجب عقوبة من يفضل المفضول على الفاضل أم لا ؟ . بينوا لنا ذلك : بيانا مبسوطا مأجورين إن شاء الله تعالى .
فأجاب : - الحمد لله رب العالمين . أما تفضيل أبي بكر ثم عمر على عثمان وعلي . فهذا متفق عليه بين أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة في العلم والدين : من الصحابة والتابعين وتابعيهم ; وهو مذهب مالك وأهل المدينة والليث بن سعد وأهل مصر والأوزاعي وأهل الشام ; وسفيان الثوري وأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=15743وحماد بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=15744وحماد بن سلمة وأمثالهم من أهل العراق . وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبي عبيد وغير هؤلاء : من أئمة الإسلام الذين لهم لسان صدق في الأمة .
وحكى مالك إجماع أهل المدينة على ذلك فقال ما أدركت أحدا ممن أقتدي به يشك في تقديم أبي بكر وعمر . [ ص: 422 ] وهذا مستفيض عن أمير المؤمنين nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب .
وفي صحيح البخاري عن محمد بن الحنفية أنه قال لأبيه nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب : يا أبت من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بني أوما تعرف قلت : لا . قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : عمر .
ويروى هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب من نحو ثمانين وجها وأنه كان يقوله على منبر الكوفة ; بل قال : لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري . فمن فضله على أبي بكر وعمر جلد بمقتضى قوله - رضي الله عنه - ثمانين سوطا . وكان سفيان يقول من فضل عليا على أبي بكر فقد أزرى بالمهاجرين ; وما أرى أنه يصعد له إلى الله عمل - وهو مقيم على ذلك .
. فهذا التخصيص والتكرير والتوكيد : في تقديمه في الإمامة على سائر الصحابة مع حضور عمر وعثمان وعلي وغيرهم مما بين للأمة تقدمه عنده - صلى الله عليه وسلم - على غيره .
. فهذا يبين ملازمتهما للنبي صلى الله عليه وسلم في مدخله ومخرجه وذهابه . ولذلك قال " مالك " للرشيد : لما قال له : يا nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله أخبرني عن منزلة أبي بكر وعمر : من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : يا أمير المؤمنين منزلتهما منه في حياته كمنزلتهما منه بعد وفاته فقال شفيتني يا مالك ؟ وهذا يبين أنه كان لهما من اختصاصهما بصحبته ومؤازرتهما له على أمره ومباطنتهما : مما يعلمه بالاضطرار كل من كان عالما بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله وسيرته مع أصحابه . ولهذا لم يتنازع في هذا أحد من أهل العلم بسيرته وسنته وأخلاقه ; وإنما [ ص: 425 ] ينفي هذا أو يقف فيه من لا يكون عالما بحقيقة أمور النبي صلى الله عليه وسلم - وإن كان له نصيب من كلام أو فقه أو حساب أو غير ذلك - أو من يكون قد سمع أحاديث مكذوبة : تناقض هذه الأمور المعلومة بالاضطرار عند الخاصة من أهل العلم فتوقف في الأمر أو رجح غير أبي بكر .
وهذا كسائر الأمور المعلومة بالاضطرار عند أهل العلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان غيرهم يشك فيها أو ينفيها : كالأحاديث المتواترة عندهم في شفاعته وحوضه وخروج أهل الكبائر من النار والأحاديث المتواترة عندهم : في الصفات والقدر والعلو والرؤية وغير ذلك من الأصول التي اتفق عليها أهل العلم بسنته كما تواترت عندهم عنه ; وإن كان غيرهم لا يعلم ذلك كما تواتر عند الخاصة - من أهل العلم عنه - الحكم بالشفعة وتحليف المدعى عليه ورجم الزاني المحصن واعتبار النصاب في السرقة وأمثال ذلك من الأحكام التي ينازعهم فيها بعض أهل البدع .
ولهذا كان أئمة الإسلام متفقين على تبديع من خالف في مثل هذه الأصول ; بخلاف من نازع في مسائل الاجتهاد التي لم تبلغ هذا المبلغ في تواتر السنن عنه : كالتنازع بينهم في الحكم بشاهد ويمين وفي القسامة والقرعة وغير ذلك من الأمور التي لم تبلغ هذا المبلغ .
وأما " عثمان وعلي " : فهذه دون تلك . فإن هذه كان قد حصل فيها نزاع [ ص: 426 ] فإن سفيان الثوري وطائفة من أهل الكوفة : رجحوا عليا على عثمان ثم رجع عن ذلك سفيان وغيره . وبعض أهل المدينة توقف في عثمان وعلي وهي إحدى الروايتين عن مالك ; لكن الرواية الأخرى عنه تقديم عثمان على علي كما هو مذهب سائر الأئمة : كالشافعي وأبي حنيفة وأصحابه nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وأصحابه ; وغير هؤلاء من أئمة الإسلام . حتى إن هؤلاء تنازعوا فيمن يقدم عليا على عثمان هل يعد من أهل البدعة ؟ على قولين هما روايتان عن أحمد .
وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل والدارقطني : من قدم عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار . وأيوب هذا إمام أهل السنة وإمام أهل البصرة روى عنه مالك في الموطأ ; وكان لا يروي عن أهل العراق وروي أنه سئل عن الرواية عنه فقال : ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه .
فلما توفي عمر واجتمعوا عند المنبر . قال طلحة : ما كان لي من هذا الأمر فهو لعثمان . وقال الزبير : ما كان لي من هذا الأمر فهو لعلي . وقال سعد ما كان لي من هذا الأمر فهو nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف . فخرج ثلاثة وبقي ثلاثة . فاجتمعوا فقال nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف : يخرج منا واحد ويولي واحدا فسكت عثمان وعلي . فقال عبد الرحمن : أنا أخرج .
وروي أنه قال عليه عهد الله وميثاقه أن يولي أفضلهما . ثم قام nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها : يشاور المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ويشاور أمهات المؤمنين ; ويشاور أمراء الأمصار - فإنهم كانوا في المدينة حجوا مع عمر وشهدوا موته - حتى قال nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف : إن لي ثلاثا ما اغتمضت بنوم . فلما كان اليوم الثالث قال لعثمان : عليك عهد الله وميثاقه إن وليتك لتعدلن ولئن وليت عليا لتسمعن ولتطيعن ؟ قال : نعم . وقال لعلي : عليك عهد الله وميثاقه إن وليتك لتعدلن ولئن وليت عثمان لتسمعن ولتطيعن ؟ قال : نعم . فقال : إني رأيت الناس لا يعدلون بعثمان . فبايعه علي وعبد الرحمن وسائر المسلمين : بيعة رضى واختيار من غير رغبة أعطاهم إياها ولا رهبة خوفهم بها . [ ص: 428 ]
وهذا إجماع منهم على تقديم عثمان على علي . فلهذا قال أيوب nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل والدارقطني " من قدم عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار " فإنه وإن لم يكن عثمان أحق بالتقديم وقد قدموه كانوا إما جاهلين بفضله وإما ظالمين بتقديم المفضول من غير ترجيح ديني . ومن نسبهم إلى الجهل والظلم فقد أزرى بهم . ولو زعم زاعم أنهم قدموا عثمان لضغن كان في نفس بعضهم على علي وأن أهل الضغن كانوا ذوي شوكة ونحو ذلك مما يقوله أهل الأهواء : فقد نسبهم إلى العجز عن القيام بالحق وظهور أهل الباطل منهم على أهل الحق . هذا وهم في أعز ما كانوا وأقوى ما كانوا . فإنه حين مات عمر كان ( الإسلام : من القوة والعز والظهور والاجتماع والائتلاف فيما لم يصيروا في مثله قط .
وكان ( عمر أعز أهل الإيمان وأذل أهل الكفر والنفاق إلى حد بلغ في القوة والظهور مبلغا لا يخفى على من له أدنى معرفة بالأمور . فمن جعلهم في مثل هذه الحال جاهلين أو ظالمين أو عاجزين عن الحق فقد أزرى بهم وجعل خير أمة أخرجت للناس على خلاف ما شهد الله به لهم .
وهذا هو أصل " مذهب الرافضة " فإن الذي ابتدع الرفض كان يهوديا أظهر الإسلام نفاقا ودس إلى الجهال دسائس يقدح بها في أصل الإيمان . ولهذا كان الرفض أعظم أبواب النفاق والزندقة . فإنه يكون الرجل واقفا ثم يصير [ ص: 429 ] مفضلا ثم يصير سبابا ثم يصير غاليا ثم يصير جاحدا معطلا . ولهذا انضمت إلى الرافضة " أئمة الزنادقة " من الإسماعيلية والنصيرية وأنواعهم من القرامطة والباطنية والدرزية وأمثالهم من طوائف الزندقة والنفاق . فإن القدح في خير القرون الذين صحبوا الرسول قدح في الرسول عليه السلام كما قال مالك وغيره من أئمة العلم : هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل : رجل سوء كان له أصحاب سوء ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين .
وأيضا فهؤلاء الذين نقلوا القرآن والإسلام وشرائع النبي صلى الله عليه وسلم وهم الذين نقلوا فضائل علي وغيره فالقدح فيهم يوجب أن لا يوثق بما نقلوه من الدين وحينئذ فلا تثبت فضيلة ; لا لعلي ولا لغيره و " الرافضة " جهال ليس لهم عقل ولا نقل ولا دين ولا دنيا منصورة . فإنه لو طلب منهم الناصبي - الذي يبغض عليا ; ويعتقد فسقه أو كفره كالخوارج وغيرهم أن يثبتوا إيمان علي ; وفضله لم يقدروا على ذلك بل تغلبهم الخوارج . فإن فضائل علي إنما نقلها الصحابة الذين تقدح فيهم الرافضة . فلا يتيقن له فضيلة معلومة على أصلهم .
فإذا طعنوا في بعض الخلفاء - بما يفترونه عليهم من أنهم طلبوا الرياسة وقاتلوا على ذلك - كان طعن الخوارج في علي بمثل ذلك وأضعافه أقرب من دعوى ذلك على من أطيع بلا قتال . ولكن الرافضة جهال متبعون الزنادقة .