فأجاب : - إيمان " nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان " - رضي الله عنه - ثابت بالنقل المتواتر وإجماع أهل العلم على ذلك ; كإيمان أمثاله ممن آمن عام فتح مكة مثل أخيه " يزيد " بن أبي سفيان ومثل سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية nindex.php?page=showalam&ids=28وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام . وأبي أسد بن أبي العاص بن أمية وأمثال هؤلاء .
فإن هؤلاء يسمون " الطلقاء " : فإنهم آمنوا عام فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة قهرا وأطلقهم ومن عليهم وأعطاهم وتألفهم وقد روي : أن nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان أسلم قبل ذلك وهاجر كما أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الحجبي - قبل فتح مكة - وهاجروا إلى المدينة فإن كان هذا صحيحا فهذا من المهاجرين . [ ص: 454 ] وأما إسلامه عام الفتح مع من ذكر فمتفق عليه بين العلماء ; سواء كان أسلم قبل ذلك أو لم يكن إسلامه إلا عام فتح مكة ; ولكن بعض الكذابين زعم : أنه عير أباه بإسلامه وهذا كذب بالاتفاق من أهل العلم بالحديث . وكان هؤلاء المذكورون من أحسن الناس إسلاما وأحمدهم سيرة : لم يتهموا بسوء ولم يتهمهم أحد من أهل العلم بنفاق كما اتهم غيرهم ; بل ظهر منهم من حسن الإسلام وطاعة الله ورسوله وحب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله وحفظ حدود الله : ما دل على حسن إيمانهم الباطن وحسن إسلامهم ومنهم من أمره النبي صلى الله عليه وسلم واستعمله نائبا له كما استعمل عتاب بن أسيد أميرا على مكة نائبا عنه وكان من خيار المسلمين كان يقول : يا أهل مكة والله لا يبلغني أن أحدا منكم قد تخلف عن الصلاة إلا ضربت عنقه .
وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم " أبا سفيان " بن حرب - أبا معاوية - على نجران نائبا له وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان عامله على نجران . وكان معاوية أحسن إسلاما من أبيه باتفاق أهل العلم كما أن أخاه " يزيد بن أبي سفيان " كان أفضل منه ومن أبيه ; ولهذا استعمله أبو بكر الصديق رضي الله عنه على قتال النصارى حين فتح الشام وكان هو أحد الأمراء الذين استعملهم أبو بكر الصديق ووصاه بوصية معروفة نقلها أهل العلم واعتمدوا عليها وذكرها [ ص: 455 ] مالك في الموطأ وغيره ومشى أبو بكر رضي الله عنه في ركابه مشيعا له فقال له : يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل فقال : لست بنازل ولست براكب أحتسب خطاي هذه في سبيل الله عز وجل . وكان عمرو بن العاص أحد الأمراء nindex.php?page=showalam&ids=5وأبو عبيدة بن الجراح أيضا وقدم عليهم خالد بن الوليد لشجاعته ومنفعته في الجهاد .
فلما توفي أبو بكر ولى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أبا عبيدة أميرا على الجميع ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان شديدا في الله فولى أبا عبيدة لأنه كان لينا . وكان أبو بكر رضي الله عنه لينا وخالد شديدا على الكفار فولى اللين الشديد وولى الشديد اللين ; ليعتدل الأمر وكلاهما فعل ما هو أحب إلى الله تعالى في حقه فإن نبينا صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق وكان شديدا على الكفار والمنافقين ونعته الله تعالى بأكمل الشرائع كما قال الله تعالى في نعت أمته : { أشداء على الكفار رحماء بينهم } وقال فيهم : { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم }
وقد ثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن سرير nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وضع وجاء الناس يصلون عليه قال ابن عباس : فالتفت فإذا nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : والله ما على وجه الأرض أحد أحب إلي من أن ألقى الله تعالى بعمله من هذا الميت . والله إني لأرجو أن يحشرك الله مع صاحبيك فإني كثيرا ما كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول . دخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر وذهبت أنا وأبو بكر وعمر }
وقال الرشيد لمالك بن أنس : أخبرني عن منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم فقال : منزلتهما منه في حياته كمنزلتهما بعد وفاته فقال : شفيتني يا مالك فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبا بكر جعل الله تعالى فيه من الشدة ما لم يكن فيه قبل ذلك حتى فاق عمر في ذلك حتى قاتل أهل الردة بعد أن جهز جيش أسامة وكان ذلك تكميلا له لكمال النبي صلى الله عليه وسلم الذي صار خليفة له . ولما استخلف عمر جعل الله فيه من الرأفة والرحمة ما لم يكن فيه قبل ذلك تكميلا له حتى صار أمير المؤمنين ولهذا استعمل هذا خالدا ; وهذا أبا عبيدة .
وكان يزيد بن أبي سفيان على الشام ; إلى أن ولي عمر ; فمات يزيد بن أبي سفيان ; فاستعمل عمر معاوية مكان أخيه يزيد بن أبي سفيان وبقي معاوية [ ص: 458 ] على ولايته تمام خلافته وعمر ورعيته تشكره وتشكر سيرته فيهم وتواليه وتحبه لما رأوا من حلمه وعدله ; حتى أنه لم يشكه منهم مشتك ولا تظلمه منهم متظلم ، ويزيد بن معاوية ليس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ولد في خلافة عثمان ; وإنما سماه يزيد باسم عمه من الصحابة .
وقد شهد معاوية ; وأخوه يزيد ; وسهيل بن عمرو ; والحارث بن هشام وغيرهم من مسلمة الفتح مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة حنين ; ودخلوا في قوله تعالى { ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين } وكانوا من المؤمنين الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وغزوة الطائف لما حاصروا الطائف ورماها بالمنجنيق وشهدوا النصارى بالشام وأنزل الله فيها سورة براءة ; وهي غزوة العسرة التي جهز فيها nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه جيش العسرة بألف بعير في سبيل الله تعالى فاعوزت وكملها بخمسين بعيرا فقال النبي : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=3000104ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم } " وهذا آخر مغازي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن فيها قتال . وقد غزا النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين غزاة بنفسه ولم [ ص: 459 ] يكن القتال إلا في تسع غزوات : بدر وأحد وبني المصطلق والخندق وذي قرد وغزوة الطائف وأعظم جيش جمعه النبي صلى الله عليه وسلم كان بحنين والطائف وكانوا اثني عشر ألفا .
. وأما من بعد هؤلاء السابقين الأولين وهم الذين أسلموا بعد الحديبية فهؤلاء دخلوا في قوله تعالى { وكلا وعد الله الحسنى } وفي قوله تعالى { والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه } وقد أسلم قبل فتح مكة خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الحجبي وغيرهم . وأسلم بعد الطلقاء أهل الطائف وكانوا آخر الناس إسلاما وكان منهم عثمان بن أبي العاص الثقفي الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الطائف وكان من خيار الصحابة ; مع تأخر إسلامه . [ ص: 462 ]
فقد يتأخر إسلام الرجل ويكون أفضل من بعض من تقدمه بالإسلام كما تأخر إسلام عمر فإنه يقال : إنه أسلم تمام الأربعين وكان ممن فضله الله على كثير ممن أسلم قبله وكان عثمان وطلحة والزبير وسعد nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف أسلموا قبل عمر على يد أبي بكر وتقدمهم عمر .
فقد علق النبي صلى الله عليه وسلم الحكم بصحبته وعلق برؤيته وجعل فتح الله على المسلمين بسبب من رآه مؤمنا به . وهذه الخاصية لا تثبت لأحد غير الصحابة ; ولو كانت أعمالهم أكثر من أعمال الواحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 466 ] فصل إذا تبين هذا ; فمن المعلوم أن الطريق التي بها يعلم إيمان الواحد من الصحابة هي الطريق التي بها يعلم إيمان نظرائه والطريق التي تعلم بها صحبته هي الطريق التي يعلم بها صحبة أمثاله . فالطلقاء الذين أسلموا عام الفتح مثل : معاوية وأخيه يزيد nindex.php?page=showalam&ids=28وعكرمة بن أبي جهل ; وصفوان بن أمية والحارث بن هشام ; وسهيل بن عمرو .
وقد ثبت بالتواتر عند الخاصة إسلامهم وبقاؤهم على الإسلام إلى حين الموت . ومعاوية أظهر إسلاما من غيره فإنه تولى أربعين سنة ; عشرين سنة نائبا لعمر وعثمان مع ما كان في خلافة علي رضي الله عنه وعشرين سنة مستوليا ; وأنه تولى سنة ستين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين سنة . وسلم إليه الحسن بن علي رضي الله عنهما الأمر عام أربعين الذي يقال له عام الجماعة ; لاجتماع الكلمة وزوال الفتنة بين المسلمين .
وهذا الذي فعله الحسن رضي الله عنه مما أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في صحيح البخاري وغيره عن أبي بكر - رضي الله عنه - أن النبي [ ص: 467 ] صلى الله عليه وسلم قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=10959إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين } " فجعل النبي صلى الله عليه وسلم مما أثنى به على ابنه الحسن ومدحه على أن أصلح الله تعالى به بين فئتين عظيمتين من المسلمين وذلك حين سلم الأمر إلى معاوية وكان قد سار كل منهما إلى الآخر بعساكر عظيمة .
فلما أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بالإصلاح وترك القتال دل على أن الإصلاح بين تلك الطائفتين كان أحب إلى الله تعالى من فعله فدل على أن الاقتتال لم يكن مأمورا به ولو كان معاوية كافرا لم تكن تولية كافر وتسليم الأمر إليه مما يحبه الله ورسوله ; بل دل الحديث على أن معاوية وأصحابه كانوا مؤمنين ; كما كان الحسن وأصحابه مؤمنين ; وأن الذي فعله الحسن كان محمودا عند الله تعالى محبوبا مرضيا له ولرسوله .
وهذا كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=595731تمرق مارقة على حين فرقة من الناس فتقتلهم أولى الطائفتين بالحق وفي لفظ فتقتلهم أدناهم إلى الحق } " فهذا الحديث الصحيح دليل على أن كلتا الطائفتين المقتتلتين - علي وأصحابه ومعاوية وأصحابه - على حق وأن عليا وأصحابه كانوا أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه . فإن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب هو الذي قاتل المارقين وهم " الخوارج الحرورية " الذين كانوا من شيعة علي ثم خرجوا عليه وكفروه وكفروا من والاه ونصبوا له العداوة وقاتلوه ومن معه .
وهم الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 468 ] في الأحاديث الصحيحة المستفيضة ; بل المتواترة حيث قال فيهم : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=69841يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله يوم القيامة آيتهم أن فيهم رجلا مخدج اليدين له عضل عليها شعرات تدردر } " . وهؤلاء هم الذين نصبوا العداوة لعلي ومن والاه وهم الذين استحلوا قتله وجعلوه كافرا وقتله أحد رءوسهم " عبد الرحمن بن ملجم المرادي " فهؤلاء النواصب الخوارج المارقون إذ قالوا : إن عثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب ومن معهما كانوا كفارا مرتدين [ فإن من ] حجة المسلمين عليهم ما تواتر من إيمان الصحابة وما ثبت بالكتاب والسنة الصحيحة من مدح الله تعالى لهم وثناء الله عليهم ورضاه عنهم وإخباره بأنهم من أهل الجنة ونحو ذلك من النصوص ومن لم يقبل هذه الحجج لم يمكنه أن يثبت إيمان nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وأمثاله . فإنه لو قال هذا الناصبي للرافضي : إن عليا كان كافرا أو فاسقا ظالما وأنه قاتل على الملك : لطلب الرياسة ; لا للدين وأنه قتل " من أهل الملة " من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجمل وصفين وحروراء ألوفا مؤلفة ولم يقاتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كافرا ولا فتح مدينة بل قاتل أهل القبلة ونحو هذا الكلام - الذي تقوله النواصب المبغضون لعلي [ ص: 469 ] رضي الله عنه - لم يمكن أن يجيب هؤلاء النواصب إلا أهل السنة والجماعة ; الذين يحبون السابقين الأولين كلهم ويوالونهم . فيقولون لهم : أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ونحوهم ثبت بالتواتر إيمانهم وهجرتهم وجهادهم .
وأما الرافضي فلا يمكنه إقامة الحجة على من يبغض عليا من النواصب كما يمكن ذلك أهل السنة الذين يحبون الجميع . فإنه إن قال : إسلام علي معلوم بالتواتر . قال له : وكذلك إسلام أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وغيرهم وأنت تطعن في هؤلاء إما في إسلامهم ; وإما في عدالتهم . فإن قال : إيمان علي ثبت بثناء النبي صلى الله عليه وسلم . قلنا له : هذه الأحاديث إنما نقلها الصحابة الذين تطعن أنت فيهم ورواة فضائلهم : سعد بن أبي [ ص: 470 ] وقاص وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=31وسهل بن سعد الساعدي وأمثالهم والرافضة تقدح في هؤلاء .
فإن كانت رواية هؤلاء وأمثالهم ضعيفة بطل كل فضيلة تروى لعلي ولم يكن للرافضة حجة وإن كانت روايتهم صحيحة ثبتت فضائل علي وغيره ; ممن روى هؤلاء فضائله : كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم . فإن قال الرافضي : فضائل علي متواترة عند الشيعة - كما يقولون : إن النص عليه بالإمامة متواتر - قيل له أما " الشيعة " الذين ليسوا من الصحابة : فإنهم لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم ولا سمعوا كلامه ونقلهم نقل مرسل منقطع إن لم يسنده إلىالصحابة لم يكن صحيحا .
والصحابة الذين تواليهم الرافضة نفر قليل - بضعة عشر وإما نحو ذلك - وهؤلاء لا يثبت التواتر بنقلهم لجواز التواطؤ على مثل هذا العدد القليل ، والجمهور الأعظم من الصحابة الذين نقلوا فضائلهم تقدح الرافضة فيهم ; ثم إذا جوزوا على الجمهور الذين أثنى عليهم القرآن الكذب والكتمان فتجويز ذلك على نفر قليل أولى وأجوز . وأيضا فإذا قال الرافضي : إن أبا بكر وعمر وعثمان كان قصدهم الرياسة والملك فظلموا غيرهم بالولاية .
قال لهم : هؤلاء لم يقاتلوا مسلما على الولاية وإنما قاتلوا المرتدين والكفار وهم الذين كسروا كسرى وقيصر وفتحوا بلاد فارس وأقاموا الإسلام وأعزوا الإيمان وأهله وأذلوا الكفر وأهله . [ ص: 471 ] وعثمان هو دون أبي بكر وعمر في المنزلة .
ومع ذلك فقد طلبوا قتله وهو في ولايته فلم يقاتل المسلمين ولا قتل مسلما على ولايته ; فإن جوزت على هؤلاء أنهم كانوا ظالمين في ولايتهم أعداء الرسول : كانت حجة الناصبي عليك أظهر . وإذا أسأت القول في هؤلاء ونسبتهم إلى الظلم والمعاداة للرسول وطائفته : كان ذلك حجة للخوارج النواصب المارقين عليك . فإنهم يقولون : أيما أولى أن ينسب إلى طلب الرياسة : من قاتل المسلمين على ولايته - ولم يقاتل الكفار - وابتدأهم بالقتال ليطيعوه ; وهم لا يطيعونه وقتل من " أهل القبلة " الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويحجون البيت العتيق ; ويصومون شهر رمضان ويقرءون القرآن ألوفا مؤلفة ; ومن لم يقاتل مسلما ; بل أعزوا أهل الصلاة والزكاة ونصروهم وآووهم أو من قتل وهو في ولايته لم يقاتل ولم يدفع عن نفسه حتى قتل في داره وبين أهله رضي الله عنه ؟ فإن جوزت على مثل هذا أن يكون ظالما للملك ظالما للمسلمين بولايته فتجويز هذا على من قاتل على الولاية وقتل المسلمين عليها أولى وأحرى .
وبهذا وأمثاله يتبين أن الرافضة أمة ليس لها عقل صريح ; ولا نقل صحيح ولا دين مقبول ; ولا دنيا منصورة بل هم من أعظم الطوائف كذبا وجهلا ودينهم يدخل على المسلمين كل زنديق ومرتد كما دخل فيهم النصيرية ; [ ص: 472 ] والإسماعيلية وغيرهم فإنهم يعمدون إلى خيار الأمة يعادونهم وإلى أعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين يوالونهم ويعمدون إلى الصدق الظاهر المتواتر يدفعونه وإلى الكذب المختلق الذي يعلم فساده يقيمونه ; فهم كما قال فيهم الشعبي - وكان من أعلم الناس بهم - لو كانوا من البهائم لكانوا حمرا ولو كانوا من الطير لكانوا رخما .
ولهذا كانوا أبهت الناس وأشدهم فرية مثل ما يذكرون عن معاوية . فإن معاوية ثبت بالتواتر أنه أمره النبي صلى الله عليه وسلم كما أمر غيره وجاهد معه وكان أمينا عنده يكتب له الوحي وما اتهمه النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة الوحي . وولاه nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب الذي كان من أخبر الناس بالرجال وقد ضرب الله الحق على لسانه وقلبه ولم يتهمه في ولايته .
وقد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه أبا سفيان إلى أن مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو على ولايته فمعاوية خير من أبيه وأحسن إسلاما من أبيه باتفاق المسلمين وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ولى أباه فلأن تجوز ولايته بطريق الأولى والأحرى ; ولم يكن من أهل الردة قط ولا نسبه أحد من أهل العلم إلى الردة فالذين ينسبون هؤلاء إلى الردة هم الذين ينسبون أبا بكر وعمر وعثمان وعامة أهل بدر وأهل بيعة الرضوان وغيرهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان إلى ما لا يليق بهم . [ ص: 473 ] والذين نسبوا هؤلاء إلى الردة يقول بعضهم : إنه مات ووجهه إلى الشرق والصليب على وجهه وهذا مما يعلم كل عاقل أنه من أعظم الكذب والفرية عليه .
ولو قال قائل هذا فيمن هو دون معاوية من ملوك بني أمية وبني العباس كعبد الملك بن مروان وأولاده وأبي جعفر المنصور وولديه - الملقبين بالمهدي والهادي - والرشيد وأمثالهم من الذين تولوا الخلافة وأمر المؤمنين ; فمن نسب واحدا من هؤلاء إلى الردة وإلى أنه مات على دين النصارى لعلم كل عاقل أنه من أعظم الناس فرية فكيف يقال مثل هذا في معاوية وأمثاله من الصحابة .
بل يزيد ابنه مع ما أحدث من الأحداث من قال فيه : إنه كافر مرتد فقد افترى عليه . بل كان ملكا من ملوك المسلمين كسائر ملوك المسلمين وأكثر الملوك لهم حسنات ولهم سيئات وحسناتهم عظيمة وسيئاتهم عظيمة فالطاعن في واحد منهم دون نظرائه إما جاهل وإما ظالم .
وهؤلاء لهم ما لسائر المسلمين منهم من تكون حسناته أكثر من سيئاته ومنهم من قد تاب من سيئاته ومنهم من كفر الله عنه ومنهم من قد يدخله الجنة ومنهم من قد يعاقبه لسيئاته ومنهم من قد يتقبل الله فيه شفاعة نبي أو غيره من الشفعاء فالشهادة لواحد من هؤلاء بالنار هو من أقوال أهل البدع والضلال . [ ص: 474 ]
. وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم شارب الخمر عموما ونهى عن لعنة المؤمن المعين . كما أنا نقول ما قال الله تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا } فلا ينبغي لأحد أن يشهد لواحد بعينه أنه في النار لإمكان أن يتوب أو يغفر له الله بحسنات ماحية أو مصائب مكفرة أو شفاعة مقبولة أو يعفو الله عنه أو غير ذلك .
فهكذا الواحد من الملوك أو غير الملوك وإن كان صدر منه ما هو ظلم فإن ذلك لا يوجب أن نلعنه ونشهد له بالنار . ومن دخل في ذلك كان من أهل البدع والضلال ; فكيف إذا كان للرجل حسنات عظيمة يرجى له بها المغفرة مع ظلمه كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [ ص: 475 ] قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=10938أول جيش يغزو قسطنطينية مغفور له } " وأول جيش غزاها كان أميرهم " يزيد بن معاوية " وكان معه في الغزاة أبو أيوب الأنصاري وتوفي هناك وقبره هناك إلى الآن .
ولهذا كان المقتصدون من أئمة السلف يقولون في يزيد وأمثاله : إنا لا نسبهم ولا نحبهم أي لا نحب ما صدر منهم من ظلم . والشخص الواحد يجتمع فيه حسنات وسيئات وطاعات ومعاص وبر وفجور وشر فيثيبه الله على حسناته ويعاقبه على سيئاته إن شاء أو يغفر له ويحب ما فعله من الخير ويبغض ما فعله من الشر .
والخوارج والمعتزلة يقولون : إن صاحب الكبيرة يخلد في النار ثم إنهم [ ص: 476 ] قد يتوهمون في بعض الأخيار أنه من أهل الكبائر كما تتوهم الخوارج في عثمان وعلي وأتباعهما أنهم مخلدون في النار كما يتوهم بعض ذلك في مثل معاوية وعمرو بن العاص وأمثالهما ويبنون مذاهبهم على مقدمتين باطلتين : ( إحداهما : أن فلانا من أهل الكبائر .
( والثانية : أن كل صاحب كبيرة يخلد في النار . وكلا القولين باطل . وأما الثاني فباطل على الإطلاق . وأما الأول فقد يعلم بطلانه وقد يتوقف فيه . ومن قال عن معاوية وأمثاله ; ممن ظهر إسلامه وصلاته وحجه وصيامه أنه لم يسلم وأنه كان مقيما على الكفر فهو بمنزلة من يقول ذلك في غيره كما لو ادعى مدع ذلك في العباس وجعفر وعقيل وفي أبي بكر وعمر وعثمان .
وكما لو ادعى أن الحسن والحسين ليسا ولدي nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب إنما هما أولاد سلمان الفارسي ولو ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج ابنة أبي بكر وعمر ولم يزوج بنتيه عثمان ; بل إنكار إسلام معاوية أقبح من إنكار هذه الأمور فإن منها ما لا يعرفه إلا العلماء . وأما إسلام معاوية وولايته على المسلمين والإمارة والخلافة فأمر يعرفه جماهير الخلق ولو أنكر منكر إسلام علي أو ادعى بقاءه على الكفر ; لم يحتج [ ص: 477 ] عليه إلا بمثل ما يحتج به على من أنكر إسلام أبي بكر ; وعمر ; وعثمان ومعاوية وغيرهم .
وإن كان بعضهم أفضل من بعض فتفاضلهم لا يمنع اشتراكهم في ظهور إسلامهم . وأما قول القائل : إيمان معاوية كان نفاقا ; فهو أيضا من الكذب المختلق . فإنه ليس في علماء المسلمين من اتهم معاوية بالنفاق ; بل العلماء متفقون على حسن إسلامه ; وقد توقف بعضهم في حسن إسلام أبي سفيان - أبيه - وأما معاوية ; وأخوه يزيد فلم يتنازعوا في حسن إسلامهما كما لم يتنازعوا في حسن إسلام nindex.php?page=showalam&ids=28عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وأمثالهم من مسلمة الفتح وكيف يكون رجلا متوليا على المسلمين أربعين سنة نائبا ومستقلا يصلي بهم الصلوات الخمس ويخطب ويعظهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويقيم فيهم الحدود ويقسم بينهم فيأهم ومغانمهم وصدقاتهم ويحج بهم ومع هذا يخفي نفاقه عليهم كلهم ؟ وفيهم من أعيان الصحابة جماعة كثيرة .
بل أبلغ من هذا أنه - ولله الحمد - لم يكن من الخلفاء الذين لهم ولاية عامة من خلفاء بني أمية وبني العباس أحد يتهم بالزندقة والنفاق وبنو أمية لم ينسب أحد منهم إلى الزندقة والنفاق وإن كان قد ينسب الرجل منهم إلى نوع من البدعة أو نوع من الظلم لكن لم ينسب أحد منهم من أهل العلم إلى زندقة ونفاق . [ ص: 478 ] وإنما كان المعروفون بالزندقة والنفاق بني عبيد القداح الذين كانوا بمصر والمغرب وكانوا يدعون أنهم علويون وإنما كانوا من ذرية الكفار فهؤلاء قد اتفق أهل العلم على رميهم بالزندقة والنفاق وكذلك رمي بالزندقة والنفاق قوم من ملوك النواحي الخلفاء من بني بويه وغير بني بويه ; فأما خليفة عام الولاية في الإسلام فقد طهر الله المسلمين أن يكون ولي أمرهم زنديقا منافقا فهذا مما ينبغي أن يعلم ويعرف فإنه نافع في هذا الباب . واتفق العلماء على أن nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية أفضل ملوك هذه الأمة فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة وهو أول الملوك ; كان ملكه ملكا ورحمة كما جاء في الحديث : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=3000110يكون الملك نبوة ورحمة ثم تكون خلافة ورحمة ثم يكون ملك ورحمة ثم ملك وجبرية ثم ملك عضوض } " وكان في ملكه من الرحمة والحلم ونفع المسلمين ما يعلم أنه كان خيرا من ملك غيره .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد بن حنبل : " من لم يربع بعلي رضي الله عنه في الخلافة فهو أضل من حمار أهله " ومع هذا فلكل خليفة مرتبة . فأبو بكر وعمر لا يوازنهما أحد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=70093اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر } " ولم يكن نزاع بين شيعة علي الذين صحبوه في تقديم أبي بكر وعمر وثبت عن علي من وجوه كثيرة أنه قال : لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري . وإنما كانوا يتنازعون في عثمان وعلي رضي الله عنهما لكن ثبت تقديم عثمان على علي باتفاق السابقين على مبايعة ( عثمان طوعا بلا كره ; بعد أن جعل عمر الشورى في ستة : عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد [ ص: 480 ] nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف .
وتركها " ثلاثة " وهم : طلحة والزبير وسعد . فبقيت في " ثلاثة " عثمان وعلي وعبد الرحمن . فولي أحدهما فبقي عبد الرحمن يشاور المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ثلاثة أيام ثم أخبر أنهم لم يعدلوا بعثمان . ونقل وفاته وولايته : حديث طويل فمن أراده فعليه بأحاديث الثقات . والله أعلم . وصلى الله على نبينا محمد وسلم .