[ ص: 361 ] وسئل شيخ الإسلام عن رجل أخذ ماله ظلما بغير حق وانتهك عرضه أو نيل منه في بدنه فلم يقتص في الدنيا وعلم أن ما عند الله خير وأبقى .
فهل يكون عفوه عن ظالمه مسقطا عند الله ؟ أم نقصا له ؟ أم لا يكون ؟ أو يكون أجره باقيا كاملا موفرا ؟ وأيما أولى مطالبة هذا الظالم والانتقام منه يوم القيامة - وتعذيب الله له . أو العفو عنه وقبول الحوالة على الله تعالى ؟
فقد أخبر أن جزاء السيئة سيئة مثلها بلا عدوان وهذا هو القصاص في الدماء والأموال والأعراض ونحو ذلك .
ثم قال : [ ص: 362 ] { فمن عفا وأصلح فأجره على الله } وقد ذكر [ عن ] الإمام أحمد لما ظلم في محنته المشهورة أنه لم يخرج حتى حلل من ظلمه .
وقال : ذكرت حديثا ذكر عن nindex.php?page=showalam&ids=16874مبارك بن فضالة عن الحسن قال : { إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ألا ليقم من وجب أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا وأصلح } .
والدلائل على أن المصائب كفارات كثيرة إذا صبر عليها أثيب على صبره فالثواب والجزاء إنما يكون على العمل - وهو الصبر - وأما نفس المصيبة فهي من فعل الله ; لا من فعل العبد وهي من جزاء الله للعبد على ذنبه وتكفيره ذنبه بها .
وفي المسند " أنهم دخلوا على nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة بن الجراح وهو مريض .
فذكروا أنه يؤجر على مرضه فقال : ما لي من الأجر ولا مثل هذه .
ولكن المصائب حطة " فبين لهم أبو عبيدة - رضي الله عنه - أن نفس المرض لا يؤجر عليه بل يكفر به عن خطاياه .
وكثيرا ما يفهم من الأجر غفران الذنوب فيكون فيه أجر بهذا [ ص: 364 ] الاعتبار .
ومن الناس من يقول : لا بد فيه من التعويض والأجر والامتنان وقد يحصل له ثواب بغير عمل كما يفعل عنه من أعمال البر .
فالرجل إذا ظلم بجرح ونحوه فتصدق به كان الجرح مصيبة يكفر بها عنه ويؤجر على صبره وعلى إحسانه إلى الظالم بالعفو عنه ; فإن الإحسان يكون بجلب منفعة وبدفع مضرة ; ولهذا سماه الله صدقة .
ولو لم يكن الإحسان إلى الخلق إحسانا إلى المحسن يعود نفعه عليه لكان فاعلا إثما أو ضررا ; فإن العمل الذي لا يعود نفعه على فاعله ; إما حيث لم يكن فيه فائدة وإما شر من العبث ; إذا ضر فاعله .
والعفو عن الظالم أحد نوعي الصدقة : المعروف والإحسان إلى الناس .
وجماع ذلك الزكاة .
والله سبحانه دائما يأمر بالصلاة والزكاة وهي الصدقة .
فكيف يسقط أجر العافي وهذا عام في سائر ما للعبد من الحقوق على الناس ; ولهذا إذا [ ص: 366 ] ذكر الله في كتابه حقوق العباد وذكر فيها العدل ندب فيها إلى الإحسان فإنه سبحانه يأمر بالعدل والإحسان .
والقرآن فيه جوامع الكلم . وهذا كما ذكر في آخر البقرة أصناف الناس في المعاملات التي تكون باختيار المتعاملين وهم ثلاثة : محسن وظالم وعادل .
فالمحسن : هو المتصدق .
والظالم : هو المربي .
والعادل : هو البائع .
فذكر هنا حكم الصدقات وحكم الربا وحكم المبايعات والمداينات .
وكما أن من توهم أنه بالعفو يسقط حقه أو ينقص : غالط جاهل ضال ; بل بالعفو يكون أجره أعظم ; فكذلك من توهم أنه بالعفو يحصل له ذل ويحصل للظالم عز واستطالة عليه فهو غالط في ذلك .
وخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن أكمل الأخلاق وقد كان من خلقه أنه لا ينتقم لنفسه وإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله فيعفو عن حقه ويستوفي حق ربه .
والناس في الباب أربعة أقسام : منهم من ينتصر لنفسه ولربه وهو الذي يكون فيه دين وغضب .
ومنهم من لا ينتصر لا لنفسه ولا لربه وهو الذي فيه جهل وضعف دين .
ومنهم من ينتقم لنفسه ; لا لربه وهم شر الأقسام .
وأما الكامل فهو الذي ينتصر لحق الله ويعفو عن حقه .
قال Multitarajem.php?tid=12740,12741ابن الزبير : أمر الله نبيه أن يأخذ بالعفو من أخلاق الناس وهذا كقوله : { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } من أموالهم .
هذا من العفو ويأمر بالمعروف ويعرض عن الجاهلين .
وهذه الآية فيها جماع الأخلاق الكريمة ; فإن الإنسان مع الناس إما أن يفعلوا معه غير [ ص: 371 ] ما يحب أو ما يكره .
فأمر أن يأخذ منهم ما يحب ما سمحوا به ولا يطالبهم بزيادة .
وإذا فعلوا معه ما يكره أعرض عنهم وأما هو فيأمرهم بالمعروف . وهذا باب واسع .