فهذه الأحاديث تبين أن [ حق ] المظلوم في نفس الأمر إذا كان [ سببه ليس ] ظاهرا [ و ] أخذه خيانة لم يكن له ذلك وإن كان هو يقصد أخذ نظير حقه ; لكنه خان الذي ائتمنه فإنه لما سلم إليه ماله فأخذ بعضه بغير إذنه والاستحقاق [ ليس ] ظاهرا كان خائنا .
وإذا قال : أنا مستحق لما أخذته في نفس الأمر لم يكن ما ادعاه ظاهرا معلوما .
وصار كما لو تزوج امرأة فأنكرت نكاحه ولا بينة له فإذا قهرها على الوطء من غير حجة ظاهرة فإنه ليس له ذلك .
فإن قيل لا ريب أن هذا يمنع منه ظاهرا وليس له أن يظهر ذلك قدام الناس ; لأنهم مأمورون بإنكار ذلك ; لأنه حرام في الظاهر ; لكن الشأن إذا كان يعلم سرا فيما بينه وبين الله ؟ قيل : فعل ذلك سرا يقتضي مفاسد كثيرة منهي عنها فإن فعل [ ص: 374 ] ذلك في مظنة الظهور والشهرة وفيه ألا يتشبه به من ليس حاله كحاله في الباطن فقد يظن الإنسان خفاء ذلك فيظهر مفاسد كثيرة ويفتح أيضا باب التأويل .
وصار هذا كالمظلوم الذي لا يمكنه الانتصار إلا بالظلم كالمقتص الذي لا يمكنه الاقتصاص إلا بعدوان فإنه لا يجوز له الاقتصاص .
وذلك أن نفس الخيانة محرمة الجنس .
فلا يجوز استيفاء الحق بها ; كما لو جرعه خمرا أو تلوط به أو شهد عليه بالزور : لم يكن له أن يفعل ذلك ; فإن هذا محرم الجنس .
والخيانة من جنس الكذب .
فإن قيل : هذا ليس بخيانة ; بل هو استيفاء حق .
والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خيانة من خان وهو أن يأخذ من ماله مالا يستحق نظيره .