فأجاب : الحمد لله رب العالمين . أما ما ذكر من توصية أمير المؤمنين " nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب " - رضي الله عنه - إذا مات أركب فوق دابته وتسيب ويدفن حيث تبرك وأنه فعل ذلك به ; فهذا كذب مختلق باتفاق أهل العلم . لم يوص علي بشيء من ذلك ولا فعل به شيء من ذلك ولم يذكر هذا أحد من المعروفين بالعلم والعدل وإنما يقول ذلك من ينقل عن بعض الكذابين . ولا يحل أن يفعل هذا بأحد من موتى المسلمين ولا يحل لأحد أن يوصي بذلك بل هذا مثلة بالميت ولا فائدة في هذا الفعل ; فإنه إن كان المقصود تعمية قبره فلا بد إذا بركت الناقة من أن يحفر له قبر ويدفن فيه وحينئذ يمكن أن يحفر له قبر ويدفن به بدون هذه المثلة القبيحة وهو أن يترك ميتا على ظهر دابة تسير في البرية .
وقد تنازع العلماء في " موضع قبره " . والمعروف عند أهل العلم أنه دفن بقصر الإمارة بالكوفة ; وأنه أخفي قبره لئلا ينبشه " الخوارج " الذين كانوا يكفرونه ويستحلون قتله ; فإن الذي قتله واحد من الخوارج وهو عبد الرحمن [ ص: 500 ] بن ملجم المرادي وكان قد تعاهد هو وآخران على قتل علي وقتل معاوية وقتل عمرو بن العاص ; فإنهم يكفرون هؤلاء كلهم وكل من لا يوافقهم على أهوائهم .
وأرسل إليهم ابن عباس فناظرهم حتى رجع منهم نحو نصفهم ثم إن الباقين قتلوا " عبد الله بن خباب " وأغاروا على سرح المسلمين فأمر [ ص: 501 ] علي الناس بالخروج إلى قتالهم وروى لهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم وذكر العلامة التي فيهم : أن فيهم رجلا مخدج اليدين ناقص اليد على ثديه مثل البضعة من اللحم تدردر . ولما قتلوا وجد فيهم هذا المنعوت .
فلما اتفق الخوارج - الثلاثة - على قتل أمراء المسلمين الثلاثة : قتل عبد الرحمن بن ملجم " عليا " رضي الله عنه يوم الجمعة سابع عشر شهر رمضان عام أربعين اختبأ له فحين خرج لصلاة الفجر ضربه ; وكانت السنة أن الخلفاء ونوابهم الأمراء الذين هم ملوك المسلمين هم الذين يصلون بالمسلمين الصلوات الخمس والجمع والعيدين والاستسقاء والكسوف ونحو ذلك كالجنائز : فأمير الحرب هو أمير الصلاة الذي هو إمامها .
وأما الذي أراد قتل " معاوية " فقالوا : إنه جرحه فقال الطبيب : إنه يمكن علاجك لكن لا يبقى لك نسل ; ويقال : إنه من حينئذ اتخذ معاوية المقصورة في المسجد واقتدى به الأمراء ليصلوا فيها هم وحاشيتهم خوفا من وثوب بعض الناس على أمير المؤمنين وقتله وإن كان قد فعل فيها مع ذلك ما لا يسوغ وكره من كره الصلاة في نحو هذه المقاصير .
وأما الذي أراد قتل " عمرو بن العاص " فإن عمرا كان قد استخلف ذلك اليوم رجلا - اسمه خارجة - فظن الخارجي أنه عمرو فقتله فلما تبين له قال : أردت عمرا وأراد الله خارجة فصارت مثلا . [ ص: 502 ] فقيل إنهم كتموا قبر " علي " وقبر " معاوية " وقبر " عمرو " خوفا عليهم من الخوارج ولهذا دفنوا معاوية داخل الحائط القبلي من المسجد الجامع في قصر الإمارة الذي كان يقال له الخضراء وهو الذي تسميه العامة قبر " هود " : وهود باتفاق العلماء لم يجئ إلى دمشق بل قبره ببلاد اليمن حيث بعث ; وقيل بمكة حيث هاجر ; ولم يقل أحد : إنه بدمشق .
وأما " معاوية " الذي هو خارج " باب الصغير " فإنه معاوية بن يزيد الذي تولى نحو أربعين يوما وكان فيه زهد ودين . فعلي دفن هناك وعفا قبره فلذلك لم يظهر قبره . ( وأما المشهد الذي بالنجف فأهل المعرفة متفقون على أنه ليس بقبر علي بل قيل إنه قبر المغيرة بن شعبة ولم يكن أحد يذكر أن هذا قبر علي ولا يقصده أحد أكثر من ثلاثمائة سنة ; مع كثرة المسلمين : من أهل البيت والشيعة وغيرهم وحكمهم بالكوفة .
وإنما اتخذوا ذلك مشهدا في ملك بني بويه - الأعاجم - بعد موت علي بأكثر من ثلاثمائة سنة ورووا حكاية فيها : أن الرشيد كان يأتي إلى تلك وأشياء لا تقوم بها حجة .
وأما السؤال عن سبي أهل البيت وإركابهم الإبل حتى نبت لها سنامان وهي البخاتي ليستتروا بذلك فهذا من أقبح الكذب وأبينه ; وهو مما افتراه الزنادقة [ ص: 503 ] والمنافقون الذين مقصودهم الطعن في الإسلام وأهله : من أهل البيت وغيرهم فإن من سمع مثل هذا وشهرته وما فيه من الكذب قد يظن أو يقول : إن المنقول إلينا من معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء هو من هذا الجنس ثم إذا تبين أن الأمة سبت أهل بيت نبيها : كان فيها من الطعن في خير أمة أخرجت للناس ما لا يعلمه إلا الله ; إذ كل عاقل يعلم أن الإبل البخاتي كانت مخلوقة موجودة قبل أن يبعث الله النبي صلى الله عليه وسلم وقبل وجود أهل البيت كوجود غيرها من الإبل والغنم والبقر والخيل والبغال والمعز .
وإنما هذا الكذب نظير كذبهم بأن عليا - رضي الله عنه - نصب يده بخيبر فوطئته البغلة فقال لها قطع الله نسلك فإن كل عاقل يعلم أن البغلة لم يكن لها نسل قط . هذا مع أنهم لم يكن معهم بخيبر بغلة بل لم يكن للمسلمين بغال وأول بغلة صارت لهم التي أهداها المقوقس - صاحب مصر - للنبي صلى الله عليه وسلم حتى مات وهي عنده .
ومما يبين ظهور الكذب في هذا أن المسلمين ما زالوا يسبون الكفار من أهل الكتاب وغيرهم ومع هذا فما علم أنهم قط كانوا يرحلون النساء مجردات بادية أبدانهن بل غاية ما يظهر من المرأة المسبية وجهها أو يداها أو قدمها .
ولم يعلم في الإسلام أن أهل البيت سبى أحد منهم أحد من المسلمين في وقت من الأوقات ; مع العلم بأنهم من أهل البيت اللهم إلا أن يقع في أثناء ما تسبيه المسلمون من لا يعلم أنه من أهل البيت كامرأة سباها العدو ثم استنقذها المسلمون وإذا تبين أنها كانت حرة الأصل أرسلوها وإن كان في ضمن ذلك من لا يعرف من يخفي نسبها ويستحل منها ما حرم الله من هو زنديق منافق فالله أعلم بحقيقة ذلك لكن لم يكن شيء من ذلك علانية في الإسلام قط .
وهذا مما يقوله هؤلاء الجهال أن الحجاج بن يوسف قتل الأشراف وأراد قطع دابرهم وهذا من الجهل بأحوال الناس ; فإن الحجاج مع كونه مبيرا سفاكا للدماء قتل خلقا كثيرا لم يقتل من أشراف بني هاشم أحدا قط بل سلطانه عبد الملك بن مروان نهاه عن التعرض لبني هاشم وهم الأشراف وذكر أنه أتى إلى الحرب لما تعرضوا لهم يعني لما قتل الحسين . [ ص: 505 ] ولا يعلم في خلافة عبد الملك والحجاج نائبه على العراق أنه قتل أحدا من بني هاشم .
والذي يذكر لنا السبي أكثر ما يذكر مقتل الحسين وحمل أهله إلى يزيد لكنهم جهال بحقيقة ما جرى حتى يظن الظان منهم أن أهله حملوا إلى مصر وأنهم قتلوا بمصر وأنهم كانوا خلقا كثيرا حتى إن منهم من إذا رأى موتى عليهم آثار القتل قال : هؤلاء من السبي الذين قتلوا ; وهذا كله جهل وكذب .
nindex.php?page=showalam&ids=17والحسين - رضي الله عنه ولعن من قتله ورضي بقتله - قتل يوم عاشوراء عام إحدى وستين . وكان الذي حض على قتله الشمر بن ذي الجوشن صار يكتب في ذلك إلى نائب السلطان على العراق عبيد الله بن زياد ; وعبيد الله هذا أمر - بمقاتلة الحسين - نائبه nindex.php?page=showalam&ids=16657عمر بن سعد بن أبي وقاص بعد أن طلب الحسين منهم ما طلبه آحاد المسلمين لم يجئ معه مقاتلة ; فطلب منهم أن يدعوه إلى أن يرجع إلى المدينة أو يرسلوه إلى يزيد بن عمه أو يذهب إلى الثغر يقاتل الكفار فامتنعوا إلا أن يستأسر لهم أو يقاتلوه فقاتلوه حتى قتلوه وطائفة من أهل بيته وغيرهم .
ثم حملوا ثقله وأهله إلى يزيد بن معاوية إلى دمشق ولم يكن يزيد أمرهم بقتله ولا ظهر منه سرور بذلك ورضى به بل قال كلاما فيه ذم لهم ; حيث نقل عنه أنه قال : لقد كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين وقال : [ ص: 506 ] لعن الله ابن مرجانة - يعني عبيد الله بن زياد - والله لو كان بينه وبين الحسين رحم لما قتله - يريد بذلك الطعن في استلحاقه حيث كان أبوه زياد استلحق حتى كان ينتسب إلى أبي سفيان صخر بن حرب - وبنو أمية وبنو هاشم كلاهما بنو عبد مناف .
وروي أنه لما قدم على يزيد ثقل الحسين وأهله ظهر في داره البكاء والصراخ لذلك وأنه أكرم أهله وأنزلهم منزلا حسنا وخير ابنه عليا بين أن يقيم عنده وبين أن يذهب إلى المدينة فاختار المدينة . والمكان الذي يقال له سجن nindex.php?page=showalam&ids=16600علي بن الحسين بجامع دمشق باطل لا أصل له . لكنه مع هذا لم يقم حد الله على من قتل الحسين رضي الله عنه ولا انتصر له بل قتل أعوانه لإقامة ملكه وقد نقل عنه أنه تمثل في قتل الحسين بأبيات تقتضي من قائلها الكفر الصريح كقوله : لما بدت تلك الحمول وأشرفت تلك الرءوس إلى ربي جيروني نعق الغراب فقلت نح أو لا تنح فلقد قضيت من النبي ديوني وهذا الشعر كفر .
ولا ريب أن " يزيد " تفاوت الناس فيه فطائفة تجعله كافرا ; بل تجعله هو وأباه كافرين ; بل يكفرون مع ذلك أبا بكر وعمر ويكفرون عثمان وجمهور المهاجرين والأنصار وهؤلاء الرافضة من أجهل خلق الله وأضلهم وأعظمهم [ ص: 507 ] كذبا على الله عز وجل ورسوله والصحابة والقرابة وغيرهم ; فكذبهم على يزيد مثل كذبهم على أبي بكر وعمر وعثمان ; بل كذبهم على يزيد أهون بكثير .
وطائفة تجعله من أئمة الهدى وخلفاء العدل وصالح المؤمنين وقد يجعله بعضهم من الصحابة وبعضهم يجعله نبيا . وهذا أيضا من أبين الجهل والضلال ; وأقبح الكذب والمحال بل كان ملكا من ملوك المسلمين له حسنات وسيئات والقول فيه كالقول في أمثاله من الملوك .
وقد بسطنا القول في هذا في غير هذا الموضع . وأما الحسين - رضي الله عنه - فقتل بكربلاء قريب من الفرات ودفن جسده حيث قتل وحمل رأسه إلى قدام عبيد الله بن زياد بالكوفة هذا الذي رواه البخاري في صحيحه وغيره من الأئمة . وأما حمله إلى الشام إلى يزيد : فقد روي ذلك من وجوه منقطعة لم يثبت شيء منها بل في الروايات ما يدل على أنها من الكذب المختلق فإنه يذكر فيها أن " يزيد " جعل ينكت بالقضيب على ثناياه ; وأن بعض الصحابة الذين حضروه - كأنس بن مالك nindex.php?page=showalam&ids=88وأبي برزة - أنكر ذلك وهذا تلبيس . فإن الذي جعل ينكت بالقضيب إنما كان عبيد الله بن زياد ; هكذا في الصحيح والمساند .
وإنما جعلوا مكان عبيد الله بن زياد " يزيد " وعبيد الله لا ريب أنه أمر بقتله وحمل الرأس إلى بين يديه . ثم إن nindex.php?page=showalam&ids=13202ابن زياد قتل بعد ذلك لأجل ذلك [ ص: 508 ] ومما يوضح ذلك أن الصحابة المذكورين كأنس nindex.php?page=showalam&ids=88وأبي برزة لم يكونوا بالشام وإنما كانوا بالعراق حينئذ وإنما الكذابون جهال بما يستدل به على كذبهم .
وأما حمله إلى مصر فباطل باتفاق الناس وقد اتفق العلماء كلهم على أن هذا المشهد الذي بقاهرة مصر الذي يقال له " مشهد الحسين " باطل ليس فيه رأس الحسين ولا شيء منه وإنما أحدث في أواخر دولة " بني عبيد الله بن القداح " الذين كانوا ملوكا بالديار المصرية مائتي عام إلى أن انقرضت دولتهم في أيام " نور الدين محمود " وكانوا يقولون : إنهم من أولاد nindex.php?page=showalam&ids=25فاطمة ويدعون الشرف وأهل العلم بالنسب يقولون ليس لهم نسب صحيح ويقال : إن جدهم كان ربيب الشريف الحسيني فادعوا الشرف لذلك .
فأما مذاهبهم وعقائدهم فكانت منكرة باتفاق أهل العلم بدين الإسلام وكانوا يظهرون التشيع وكان كثير من كبرائهم وأتباعهم يبطنون مذهب القرامطة الباطنية وهو من أخبث مذاهب أهل الأرض أفسد من اليهود والنصارى ولهذا كان عامة من انضم إليهم أهل الزندقة والنفاق والبدع : المتفلسفة والمباحية والرافضة وأشباه هؤلاء ممن لا يستريب أهل العلم والإيمان في أنه ليس من أهل العلم والإيمان . فأحدث هذا " المشهد " في المائة الخامسة نقل من عسقلان .
وعقيب ذلك بقليل انقرضت دولة الذين ابتدعوه بموت العاضد آخر ملوكهم . [ ص: 509 ] والذي رجحه أهل العلم في موضع رأس nindex.php?page=showalam&ids=14129الحسين بن علي - رضي الله عنهما - هو ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14413الزبير بن بكار في كتاب " أنساب قريش " nindex.php?page=showalam&ids=14413والزبير بن بكار هو من أعلم الناس وأوثقهم في مثل هذا ذكر أن الرأس حمل إلى المدينة النبوية ودفن هناك وهذا مناسب . فإن هناك قبر أخيه الحسن وعم أبيه العباس وابنه علي وأمثالهم . قال nindex.php?page=showalam&ids=13138أبو الخطاب بن دحية - الذي كان يقال له : " ذو النسبين بين دحية والحسين " في كتاب " العلم المشهور في فضل الأيام والشهور " - لما ذكر ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14413الزبير بن بكار عن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن : أنه قدم برأس الحسين وبنو أمية مجتمعون عند عمرو بن سعيد فسمعوا الصياح فقالوا : ما هذا ؟ فقيل : نساء بني هاشم يبكين حين رأين رأس nindex.php?page=showalam&ids=14129الحسين بن علي قال : وأتى برأس nindex.php?page=showalam&ids=14129الحسين بن علي فدخل به على عمرو فقال : والله لوددت أن أمير المؤمنين لم يبعث به إلي قال nindex.php?page=showalam&ids=13138ابن دحية : فهذا الأثر يدل أن الرأس حمل إلى المدينة ولم يصح فيه سواه والزبير أعلم أهل النسب وأفضل العلماء بهذا السبب قال : وما ذكر من أنه في عسقلان في مشهد هناك فشيء باطل لا يقبله من معه أدنى مسكة من العقل والإدراك فإن بني أمية - مع ما أظهروه من القتل والعداوة والأحقاد - لا يتصور أن يبنوا على الرأس مشهدا للزيارة .
هذا ; وأما ما افتعله " بنو عبيد " في أيام إدبارهم وحلول بوارهم وتعجيل دمارهم ; في أيام الملقب " بالقاسم عيسى بن الظافر " وهو الذي عقد له بالخلافة [ ص: 510 ] وهو ابن خمس سنين وأيام لأنه ولد يوم الجمعة الحادي من المحرم سنة أربع وأربعين وخمسمائة وبويع له صبيحة قتل أبيه الظافر يوم الخميس سلخ المحرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة وله من العمر ما قدمنا فلا تجوز عقوده ولا عهوده وتوفي وله من العمر إحدى عشرة سنة وستة أشهر وأيام لأنه توفي لليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين وخمسمائة فافتعل في أيامه بناء المشهد المحدث بالقاهرة ودخول الرأس مع المشهدي العسقلاني أمام الناس ليتوطن في قلوب العامة ما أورد من الأمور الظاهرة وذلك شيء افتعل قصدا أو نصب غرضا وقضوا ما في نفوسهم لاستجلاب العامة عرضا والذي بناه " طلائع بن رزيك " الرافضي .
وقد ذكره جميع من ألف في مقتل الحسين أن الرأس المكرم ما غرب قط وهذا الذي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13138أبو الخطاب بن دحية في أمر هذا المشهد وأنه مكذوب مفترى هو أمر متفق عليه عند أهل العلم .
والكلام في هذا الباب وأشباهه متسع فإنه بسبب مقتل عثمان ومقتل الحسين وأمثالهما جرت فتن كثيرة ; وأكاذيب وأهواء ; ووقع فيها طوائف من المتقدمين والمتأخرين وكذب على أمير المؤمنين عثمان وأمير المؤمنين nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب أنواع من الأكاذيب يكذب بعضها شيعتهم ونحوهم ويكذب بعضها مبغضوهم لا سيما بعد مقتل عثمان فإنه عظم الكذب والأهواء . [ ص: 511 ]
وقيل في أمير المؤمنين nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب مقالات من الجانبين ; علي بريء منها . وصارت البدع والأهواء والكذب تزداد حتى حدث أمور يطول شرحها ، مثل ما ابتدعه كثير من المتأخرين يوم عاشورا فقوم يجعلونه مأتما يظهرون فيه النياحة والجزع وتعذيب النفوس وظلم البهائم وسب من مات من أولياء الله والكذب على أهل البيت وغير ذلك من المنكرات المنهي عنها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق المسلمين .
وقد علم أن المصيبة بالحسين تذكر مع تقادم العهد فكان في محاسن الإسلام أن بلغ هو هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه كلما ذكرت هذه المصيبة يسترجع لها فيكون للإنسان من الأجر مثل الأجر يوم أصيب بها المسلمون .
وأما من فعل مع تقادم العهد بها ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم عند حدثان العهد بالمصيبة فعقوبته أشد مثل لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية . ففي الصحيحين عن nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=33993ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية } "
. والآثار في ذلك متعددة . فكيف إذا انضم إلى ذلك ظلم المؤمنين ولعنهم وسبهم وإعانة أهل الشقاق والإلحاد على ما يقصدونه للدين من الفساد وغير ذلك مما لا يحصيه إلا الله تعالى . وقوم من المتسننة رووا ورويت لهم أحاديث موضوعة بنوا عليها ما جعلوه شعارا في هذا اليوم يعارضون به شعار ذلك القوم فقابلوا باطلا بباطل وردوا بدعة ببدعة وإن كانت إحداهما أعظم في الفساد وأعون لأهل الإلحاد مثل الحديث الطويل الذي روي فيه : " { من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام ومن اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام } " وأمثال ذلك من " الخضاب يوم عاشوراء والمصافحة فيه " ونحو ذلك فإن هذا الحديث ونحوه كذب مختلق باتفاق من يعرف علم الحديث وإن كان قد ذكره بعض أهل الحديث وقال : إنه صحيح وإسناده على شرط الصحيح فهذا من الغلط الذي لا ريب فيه كما هو مبين في غير هذا الموضع .
ولم يستحب أحد من أئمة المسلمين الاغتسال يوم عاشوراء ولا الكحل فيه والخضاب وأمثال ذلك ولا ذكره أحد من علماء المسلمين الذين يقتدى بهم [ ص: 514 ] ويرجع إليهم في معرفة ما أمر الله به ونهى عنه ولا فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي .
ولا ذكر مثل هذا الحديث في شيء من الدواوين التي صنفها علماء الحديث لا في المسندات : كمسند أحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12289وأحمد بن منيع الحميدي والدالاني وأبو يعلى الموصلي ; وأمثالها . ولا في المصنفات على الأبواب : كالصحاح ; والسنن . ولا في الكتب المصنفة الجامعة للمسند والآثار مثل موطأ مالك ووكيع nindex.php?page=showalam&ids=16360وعبد الرزاق وسعيد بن منصور ; nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ; وأمثالها .
ثم إن أهل الأهواء ظنت أن من يفعل هذا أنه يفعله على سبيل نصب العداوة لأهل البيت والاشتفاء منهم فعارضهم من تسنن وأجاب عن ذلك بإجابة بين فيها براءتهم من النصب واستحقاقهم لموالاة أهل البيت وأنهم أحق بذلك من غيرهم .
وهذا حق . لكن دخلت عليهم الشبهة والغلط في ظنهم أن هذه الأفعال حسنة مستحبة والله أعلم بمن ابتدأ وضع ذلك وابتداعه هل كان قصده عداوة أهل البيت أو عداوة غيرهم ؟ فالهدى بغير هدى من الله - أو غير ذلك - ضلالة . ونحن علينا أن نتبع ما أنزل إلينا من ربنا من الكتاب والحكمة ونلزم الصراط المستقيم ; صراط الذين أنعم الله عليهم ; من النبيين والصديقين [ ص: 515 ] والشهداء ; والصالحين .
. وليس الكذب في هذا " المشهد " وحده ; بل المشاهد المضافة إلى الأنبياء وغيرهم كذب مثل القبر الذي يقال له : " قبر نوح " قريب من بعلبك في سفح جبل لبنان ومثل القبر الذي في قبلة مسجد جامع دمشق الذي يقال له : " قبر هود " فإنما هو قبر nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان ومثل القبر الذي في شرقي دمشق الذي يقال له : " قبر nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب " فإن أبيا لم يقدم دمشق باتفاق العلماء .
. وأصل هذا الكذب هو الضلال والابتداع والشرك فإن الضلال ظنوا أن شد الرحال إلى هذه المشاهد ; والصلاة عندها والدعاء والنذر لها ; وتقبيلها واستلامها وغير ذلك من أعمال البر والدين حتى رأيت كتابا كبيرا قد صنفه بعض أئمة الرافضة " محمد بن النعمان " الملقب بالشيخ المفيد شيخ الملقب بالمرتضى وأبي جعفر الطوسي سماه " الحج إلى زيارة المشاهد " ذكر فيه من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وزيارة هذه المشاهد والحج إليها ما لم يذكر مثله في الحج إلى بيت الله الحرام .
وعامة ما ذكره من أوضح الكذب وأبين البهتان حتى أني رأيت في ذلك من الكذب والبهتان أكثر مما رأيته من الكذب في كثير من كتب اليهود والنصارى وهذا إنما ابتدعه وافتراه في الأصل قوم من المنافقين والزنادقة ; ليصدوا به الناس عن سبيل الله . ويفسدوا عليهم دين الإسلام وابتدعوا لهم أصل الشرك المضاد لإخلاص الدين لله كما ذكره ابن عباس وغيره من السلف في قوله تعالى عن قوم نوح : { وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } { وقد أضلوا كثيرا } قالوا هذه أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم .
وقد ذكر ذلك البخاري في صحيحه وبسطه وبينه في أول كتابه في قصص الأنبياء وغيرها . ولهذا صنف طائفة من الفلاسفة الصابئين المشركين في تقرير هذا الشرك ما صنفوه واتفقوا هم والقرامطة الباطنية على المحادة لله ولرسوله حتى فتنوا أمما كثيرة وصدوهم عن دين الله .
وأقل ما صار شعارا لهم تعطيل المساجد وتعظيم المشاهد فإنهم يأتون من تعظيم المشاهد وحجها والإشراك بها ما لم يأمر الله به ولا رسوله ولا أحد من أئمة الدين ; بل نهى الله عنه ورسوله عباده المؤمنين . وأما المساجد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه فيخربونها فتارة لا يصلون جمعة ولا جماعة بناء على ما أصلوه من شعب النفاق وهو أن الصلاة لا تصح إلا خلف معصوم ونحو ذلك من ضلالتهم .
وأول من ابتدع القول بالعصمة لعلي وبالنص عليه في الخلافة : هو رأس هؤلاء المنافقين " عبد الله بن سبأ " الذي كان يهوديا فأظهر الإسلام وأراد فساد دين الإسلام كما أفسد بولص دين النصارى وقد أراد أمير المؤمنين nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب قتل هذا لما بلغه أنه يسب أبا بكر وعمر حتى هرب منه [ ص: 519 ] كما أن عليا حرق الغالية الذين ادعوا فيه الإلهية وقال في المفضلة : لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته جلد المفتري .
فهؤلاء الضالون المفترون أتباع الزنادقة المنافقون يعطلون شعار الإسلام وقيام عموده وأعظمه سنن الهدى التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الإفك والبهتان فلا يصلون جمعة ولا جماعة .
ومن يعتقد هذا فقد يسوي بين المشاهد والمساجد حتى يجعل العبادة : كالصلاة والدعاء والقراءة والذكر وغير ذلك مشروعا عند المقابر كما هو مشروع في المساجد وربما فضل بحاله أو بقاله : العبادة عند القبور والمشاهد على العبادة في بيوت الله التي هي المساجد حتى تجد أحدهم إذا أراد الاجتهاد في الدعاء والتوبة ونحو ذلك قصد قبر من يعظمه كشيخه أو غير شيخه فيجتهد عنده في الدعاء والتضرع والخشوع والرقة ما لا يفعله مثله في المساجد ولا في الأسحار ولا في سجوده لله الواحد القهار .
وقد آل الأمر بكثير من جهالهم إلى أن صاروا يدعون الموتى ويستغيثون بهم كما تستغيث النصارى بالمسيح وأمه فيطلبون من الأموات تفريج الكربات وتيسير الطلبات والنصر على الأعداء ورفع المصائب والبلاء وأمثال ذلك مما لا يقدر عليه إلا رب الأرض والسماء . حتى أن أحدهم إذا أراد الحج لم يكن أكثر همه الفرض الذي فرضه [ ص: 520 ] الله عليه وهو " حج بيت الله الحرام " وهو شعار الحنيفية ملة إبراهيم إمام أهل دين الله بل يقصد المدينة .
ولا يقصد ما رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة في مسجده حيث قال في الحديث الصحيح : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=108236صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام } " ; ولا يهتم بما أمر الله به من الصلاة والسلام على رسوله حيث كان ومن طاعة أمره واتباع سنته وتعزيره وتوقيره وهو أن يكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين بل أن يكون أحب إليه من نفسه ; بل يقصد من زيارة قبره أو قبر غيره ما لم يأمر الله به ورسوله ولا فعله أصحابه ولا استحسنه أئمة الدين .
وكل حديث يروى في زيارة القبر فهو ضعيف بل موضوع بل قد [ ص: 521 ] كره مالك وغيره من أئمة المدينة أن يقول القائل : زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما المسنون السلام عليه إذا أتى قبره صلى الله عليه وسلم وكما كان الصحابة والتابعون يفعلون إذا أتوا قبره ; كما هو مذكور في غير هذا الموضع .
ومن ذلك الطواف بغير الكعبة وقد اتفق المسلمون على أنه لا يشرع الطواف إلا بالبيت المعمور فلا يجوز الطواف بصخرة بيت المقدس ولا بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالقبة التي في جبل عرفات ولا غير ذلك . وكذلك اتفق المسلمون على أنه لا يشرع الاستلام ولا التقبيل إلا للركنين اليمانيين ; فالحجر الأسود يستلم ويقبل واليماني يستلم .
قال : فأجب } " . وفيه أيضا عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادي بهن . فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها خطيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين رجلين حتى يقام في الصف .
وهذا باب واسع قد نبهنا بما كتبناه على سبيل الهدى في هذا الأمر الفارق بين أهل التوحيد الحنفاء أهل ملة إبراهيم المتبعين لدين الله الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه وبين من لبس الحق بالباطل وشاب الحنيفية بالإشراك .