وسئل عن رجل وقف مدرسة وشرط من يكون له بها وظيفة أن لا يشتغل بوظيفة أخرى بغير مدرسته وشرط له فيها مرتبا معلوما . وقال في كتاب الوقف : وإذا حصل في ريع هذه المدرسة نقص بسبب محل أو غيره كان ما بقي من ريع هذا الوقف مصروفا في أرباب الوظائف بها لكل منهم بالنسبة إلى معلومه بالمحاصصة . وقال في كتاب الوقف : وإذا حصل في السعر غلاء فللناظر أن يرتب لهم زيادة على ما قرر لهم بحسب كفايتهم في ذلك الوقت . ثم إذا حصل في ريع الوقف نقص من جهة نقص وقفها بحيث إنه إذا ألغي هذا الشرط من عدم الجمع بينها وبين غيرها يؤدي إلى تعطيل المدرسة : فهل يجوز لمن يكون بها أن يجمع بينها وبين غيرها ليحصل له قدر كفايته والحالة هذه ؟ حيث راعى الواقف الكفاية لمن يكون بها أو كما تقدم في فصل غلاء السعر أم لا ؟
[ ص: 16 ] فأجاب : الحمد لله . هذه الشروط المشروطة على من فيها كعدم الجمع إنما يلزم الوفاء بها إذا لم يفض ذلك إلى الإخلال بالمقصود الشرعي : الذي هو يكون اسمك إما واجب وإما مستحب . فأما المحافظة على بعض الشروط مع فوات المقصود بالشروط فلا يجوز . فاشتراط عدم الجمع باطل مع ذهاب بعض أصل الوقف وعدم حصول الكفاية للمرتب بها لا يجب التزامه ولا يجوز الإلزام به لوجهين :
( أحدهما : أن ذلك إنما شرط عليهم مع وجود ريع الموقوف عليهم سواء كان كاملا أو ناقصا فإذا ذهب بعض أصل الوقف لم تكن الشروط مشروطة في هذه الحال وفرق بين نقص ريع الوقف مع وجود أصله وبين ذهاب بعض أصله .
( الوجه الثاني : أن حصول الكفاية المرتب بها أمر لا بد منه حتى لو قدر أن الواقف صرح بخلاف ذلك كان شرطا باطلا . مثل أن يقول : إن المرتب بها لا يرتزق من غيرها ولو لم تحصل له كفايته فلو صرح بهذا لم يصح ; لأن هذا شرط يخالف كتاب الله فإن حصول الكفاية لا بد منها وتحصيلها للمسلم واجب إما عليه ; وإما على المسلمين فلا يصح شرط يخالف ذلك .
وقد ظهر أن الواقف لم يقصد ذلك ; لأنه شرط لهم الكفاية ولكن ذهاب بعض أموال الوقف بمنزلة تلف العين الموقوفة ونحو ذلك .
[ ص: 17 ] والوقف سواء شبه بالجعل أو بالأجرة أو بالرزق فإن ما على العامل أن يعمل إذا وفى له بما شرط له . والله أعلم .