[ ص: 532 ] سئل رحمه الله تعالى - عن رجل يناظر مع آخر في " مسألة المصراة " وردها إذا أراد المشتري فاستدل من ادعى جواز الرد بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المتفق عليه ; فعارضه الخصم بأن قال : " nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة " لم يكن من فقهاء الصحابة .
وقد أنكر عليه nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب كثرة الرواية ونهاه عن الحديث وقال : إن عدت تحدث فعلت وفعلت وكذا أنكر عليه ابن عباس وعائشة أشياء . فهل ما ذكره الخصم صحيح أم لا ؟ وما يجب على من تكلم في nindex.php?page=showalam&ids=3أبي [ هريرة ] بهذا الكلام ؟ .
فأجاب : الحمد لله . هذا الراد مخطئ من وجوه : - ( أحدها : قوله إنه لم يكن من فقهاء الصحابة ; فإن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ولى nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة على البحرين ; وهم خيار المسلمين الذين هاجر وفدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهم وفد " عبد القيس " .
وكان nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة - أميرهم - هو الذي يفتيهم بدقيق الفقه ; مثل " مسألة [ ص: 533 ] المطلقة " دون الثلاث ; إذا تزوجت زوجا أصابها هل تعود إلى الأول على الثلاث ؟ - كما هو قول ابن عباس وابن عمر وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن عمر بناء على أن إصابة الزوج تهدم ما دون الثلاث كما هدمت الثلاث - أو تعود على ما بقي ؟ كما هو قول عمر وغيره من أكابر الصحابة وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه ; بناء على أن إصابة الزوج الثاني إنما هي غاية التحريم الثابت بالطلاق الثلاث فهو الذي يرتفع بها والمطلقة دون الثلاث لم تحرم فلا ترفع الإصابة منها شيئا ; فأفتى nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة بهذا القول .
ثم سأل عمر فأقره على ذلك وقال : لو أفتيت بغيره لأوجعتك ضربا . وكذلك أفتى nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة في دقائق " مسائل الفقه " مع فقهاء الصحابة ; كابن عباس وغيره من أشهر الأمور . وأقواله المنقولة في فتاويه تدل على ذلك . وإذا كان عمر وعلي أفقه من عمران بن حصين وأبي موسى الأشعري : لم يخرجا بذلك من الفقه وكذلك إذا كان معاذ وابن مسعود ونحوهما أفقه من nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وعبد الله بن عمر ونحوهما : لم يخرجا بذلك من الفقه .
. وعمل أبو حنيفة [ ص: 534 ] مع الشافعي وأحمد وغيرهما بحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=595753من أكل أو شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه } " مع أن القياس عند أبي حنيفة أنه يفطر ; فترك القياس لحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ونظائر ذلك تطول . ومالك مع الشافعي وأحمد عملوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا مع أن القياس عند مالك أنه لا يغسل ; لأنه طاهر عنده بل الأئمة يتركون القياس لما هو دون حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة كما ترك أبو حنيفة القياس في مسألة " القهقهة " بحديث مرسل لا يعرف من رواه من الصحابة وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أثبت منه باتفاق الأمة .
( الثالث أن يقال : المحدث إذا حفظ اللفظ الذي سمعه لم يضره أن لا يكون فقيها كالملقنين بحروف القرآن وألفاظ التشهد والأذان ونحو ذلك .
وقد قال صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=595754نضر الله امرأ سمع حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه } " وهذا بين في أنه يؤخذ حديثه الذي فيه الفقه من حامله الذي ليس بفقيه ; ويأخذ عمن هو دونه في الفقه ; وإنما يحتاج في الرواية إلى الفقه إذا كان قد روي بالمعنى فخاف أن غير الفقيه يغير المعنى وهو لا يدري . و " nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة " كان من أحفظ الأمة وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم " بالحفظ " قال : فلم أنس شيئا سمعته بعد ; ولهذا روى حديث المصراة وغيره بلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم
. [ ص: 535 ] ( الرابع : أن الصحابة كلهم كانوا يأخذون بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة كعمر وابن عمر وابن عباس وعائشة ومن تأمل كتب الحديث عرف ذلك .
( الخامس : أن أحدا من الصحابة لا يطعن في شيء رواه nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة بحيث قال : إنه أخطأ في هذا الحديث ; لا عمر ولا غيره ; بل كان nindex.php?page=showalam&ids=3لأبي هريرة مجلس إلى حجرة عائشة فيحدث ويقول : يا صاحبة الحجرة هل تنكرين مما أقول شيئا ؟ فلما قضت عائشة صلاتها لم تنكر مما رواه لكن قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث سردكم ولكن كان يحدث حديثا لو عده العاد لحفظه . فأنكرت صفة الأداء لا ما أداه .
. [ ص: 536 ] وروي عنه أنه كان يجزئ الليل " ثلاثة أجزاء " : ثلثا يصلي وثلثا يكرر على الحديث وثلثا ينام . فقد بين أن سبب حفظه ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم وقطع العلائق ودعاؤه له . وكان nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يستدعي الحديث من nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ويسأله عنه ولم ينهه عن رواية ما يحتاج إليه من العلم الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ولا توعده على ذلك .
ولكن كان عمر يحب التثبت في الرواية ; حتى لا يجترئ الناس فيزاد في الحديث . ولهذا طلب من أبي موسى الأشعري من يوافقه على حديث الاستئذان ; مع أن أبا موسى من أكابر الصحابة وثقاتهم باتفاق الأئمة .
( السادس : أن الصحابة كانوا يرجعون في مسائل الفقه إلى من هو دون nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في الفقه كما رجع nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب إلى حمل بن مالك وغيره في " دية الجنين " وكما رجع nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان إلى الفريعة بنت مالك في لزوم المتوفى عنها " لمنزل الوفاة " وكما رجع nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وغيره في " توريث المرأة من دية زوجها " إلى الضحاك بن سفيان الكلابي وكما رجع زيد بن ثابت وغيره إلى امرأة من الأنصار في سقوط طواف الوداع عن الحائض . [ ص: 537 ]
وكذلك ابن مسعود لما أفتى " المفوضة المتوفى عنها " بمهر المثل ; فقام رجال من أشجع فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بمثل ما قضيت به ; ففرح عبد الله بذلك فرحا شديدا وأبو بكر الصديق ورث الجدة بحديث المغيرة بن شعبة ومحمد بن سلمة ونظائر هذا كثيرة . ( السابع : أن يقال : المخالف لحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في " المصراة " يقول : إنه يخالف الأصول أو قياس الأصول .
فيقال له : بل القول فيه كالقول في نظائره التي اتبعت فيها النصوص فهذا الحديث ورد فيما يخالف غيره لا فيما يماثل غيره ; والقياس هو التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين ; وذلك أن من خالفه يقول : إنه أثبت الرد بالمعيب وقدر بدل المتلف ; بل إن كان من المثليات ضمن بمثله وإلا فقيمته وهذا مضمون بغير مثل ولا قيمة وجعل الضمان على المشتري والخراج بالضمان .
فيقال له : الرد يثبت بالتدليس ويثبت باختلاف الصفة باتفاق الأئمة " والمدلس " الذي أظهر أن المبيع على صفة وليس هو عليها كالواصف لها بلسانه وهذا النوع من الخيار غير خيار الرد بالعيب . [ ص: 538 ] ويقال له : المشتري لم يضمن اللبن الحادث على ملكه . ولكن ضمن ما في الضرع ; فإنه لما اشترى المصراة وفيها لبن تلف عنده : كان عليه ضمانه ; وإنما قدر الشارع البدل لأنه اختلط اللبن القديم باللبن الحادث فلم يبق يعرف مقدار اللبن القديم .
فلهذا لم يمكن ضمانه بمثله ولا بقيمته فقدر الشارع في ذلك بدلا يقطع به النزاع كما قدر ديات النفس وديات الأعضاء ومنافعها ونحو ذلك من المقدرات التي يقطع بها نزاع الناس فإنه إذا أمكن العلم بمقدار الحق : كان هو الواجب . وإذا تعذر ذلك شرع الشارع ما هو أمثل الطرق وأقربها إلى الحق .
فتارة يأمر بالخرص إذا تعذر الكيل أو الوزن ; إقامة للظن مقام العلم عند تعذر العلم ويأمر بالاستهام لتعيين المستحق عند كمال الإبهام . وتارة يقدر بدل الاستحقاق إذا لم يكن طريق آخر لقطع الشقاق ; ورد المشتري للصاع بدل ما أخذ من اللبن من هذا الباب . وفي المسألة حكاية ثانية ذكرها " أبو سعيد بن السمعاني " عن الشيخ العارف يوسف الهمداني عن الشيخ الفقيه أبي إسحاق الشيرازي عن القاضي أبي الطيب الطبري قال : كنا جلوسا بالجامع ببغداد فجاء خراساني سألنا عن المصراة .
فأجبناه فيها واحتججنا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فطعن في nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة [ ص: 539 ] فوقعت حية من السقف وجاءت حتى دخلت الحلقة وذهبت إلى ذلك الأعجمي فضربته فقتلته .
ونظير هذه ما ذكره الطبراني في " كتاب السنة " عن زكريا بن يحيى الساجي قال : كنا نختلف إلى بعض الشيوخ لسماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسترعنا في المشي ومعنا شاب ماجن . فقال : ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة . لا تكسروها . قال : فما زال حتى جفته رجلاه ولهذا نظائر نسأل الله تعالى الاعتصام بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباع ما أقام من دليله والله سبحانه أعلم .