[ ص: 380 ] وإذا سبيت واسترقت بدون زوجها جاز وطؤها بلا ريب وإنما فيه خلاف شاذ في مذهب أحمد وحكي الخلاف في مذهب مالك . قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة إذا وقعت في ملك ولها زوج مقيم بدار الحرب أن نكاح زوجها قد انفسخ وحل لمالكها وطؤها بعد الاستبراء وأما إذا سبيت مع زوجها ففيه نزاع بين أهل العلم . ومعلوم أن عامة السبي الذي كان يسبيه النبي صلى الله عليه وسلم كان في " الحرب " وقد قاتل أهل الكتاب ; فإنه خرج لقتال النصارى عام تبوك ولم يجر بينهم قتال وقد بعث إليهم السرية التي أمر عليها زيد ; ثم جعفر ثم nindex.php?page=showalam&ids=82عبد الله بن رواحة . ومع هذا فكان في النصارى : العرب والروم . وكذلك قاتل اليهود بخيبر والنضير وقينقاع ; وكان في يهود العرب بنو إسرائيل .
وكذلك يهود اليمن : كان فيهم العرب وبنو إسرائيل . وأيضا فسبب الاسترقاق هو " الكفر " بشرط " الحرب " فالحر المسلم لا يسترق بحال ; والمعاهد لا يسترق ; والكفر مع المحاربة موجود في كل كافر فجاز استرقاقه كما يجوز قتاله ; فكل ما أباح قتل المقاتلة أباح سبي الذرية ; وهذا حكم عام في العرب والعجم وهذا مذهب مالك والشافعي في الجديد من قوليه وأحمد . وأما أبو حنيفة فلا يجوز استرقاق العرب ; كما لا يجوز ضرب الجزية عليهم لأن العرب اختصوا بشرف النسب ; لكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم [ ص: 381 ] واختص كفارهم بفرط عدوانه ; فصار ذلك مانعا من قبول الجزية كما أن المرتد لا تؤخذ منه الجزية ; للتغليظ ; ولما حصل له من الشرف بالإسلام السابق . واحتج بما روي عن عمر أنه قال : ليس على عربي ملك . والذين نازعوه لهم قولان في جواز استرقاق من لا تقبل منه الجزية هما روايتان عن أحمد .
" إحداهما " أن الاسترقاق كأخذ الجزية ; فمن لم تؤخذ منه الجزية لا يسترق ; وهذا مذهب أبي حنيفة وغيره وهو اختيار الخرقي ; والقاضي وغيرهما من أصحاب أحمد وهو قول الإصطخري من أصحاب الشافعي . وعند أبي حنيفة تقبل الجزية من كل كافر ; إلا من مشركي العرب وهو رواية عن أحمد . فعل هذا لا يجوز استرقاق مشركي العرب ; لكون الجزية لا تؤخذ منهم ; ويجوز استرقاق مشركي العجم وهو قول الشافعي ; بناء على قوله : إن العرب لا يسترقون . والرواية الأخرى عن أحمد أن الجزية لا تقبل إلا من أهل الكتاب ; والمجوس كمذهب الشافعي . فعلى هذا القول في مذهب أحمد لا يجوز استرقاق أحد من المشركين ; لا من العرب ولا من غيرهم . كاختيار الخرقي والقاضي وغيرهما . وهذان القولان في مذهب أحمد لا يمنع فيه الرق ; لأجل النسب لكن لأجل الدين فإذا سبى عربية فأسلمت [ ص: 382 ] استرقها وإن لم تسلم أجبرها على الإسلام . وعلى هذا يحملون ما كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يفعلونه من استرقاق العرب .
وأما الرقيق الوثني فلا يجوز إقراره عندهم برق ; كما يجوز بجزية . وهذا كما أن الصحابة سبوا العربيات والوثنيات ووطئوهم ; وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=600806لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تستبرأ بحيضة } . ثم الأئمة الأربعة متفقون على أن الوطء إنما كان بعد الإسلام وأن وطء الوثنية لا يجوز كما لا يجوز تزويجها . " والقول الثاني " : أنه يجوز استرقاق من لا تؤخذ منهم الجزية من أهل الأوثان ; وهو مذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى بناء على أن الصحابة استرقوهم ; ولم نعلم أنهم أجبروهم على الإسلام ولأنه لا يجوز قتلهم فلا بد من استرقاقهم والرق فيه من الغل ما ليس في أخذ الجزية . وقد تبين مما ذكرناه أن الصحيح جواز استرقاق العرب . أما " الأثر " المذكور عن عمر إذا كان صحيحا صريحا في محل النزاع فقد خالفه أبو بكر وعلي ; فإنهم سبوا العرب ويحتمل أن يكون قول عمر محمولا على أن العرب أسلموا قبل أن يسترق رجالهم فلا ضرب عليهم رق كما أن قريشا أسلموا كلهم فلم يضرب عليهم رق ; لأجل إسلامهم لا لأجل النسب ; ولم تتمكن الصحابة من سبي نساء قريش ; كما تمكنوا [ ص: 383 ] من سبي نساء طوائف من العرب ; ولهذا لم يسترق منهم أحد ; ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن سبيهم شيء .
وأما إذا تزوج العربي مملوكة فنكاح الحر للمملوكة لا يجوز إلا بشرطين : خوف العنت وعدم الطول إلى نكاح حرة في مذهب مالك والشافعي وأحمد . وعللوا ذلك بأن تزوجه يفضي إلى استرقاق ولده فلا يجوز للحر العربي ولا العجمي أن يتزوج مملوكة إلا لضرورة وإذا تزوجها للضرورة كان ولده مملوكا . وأما أبو حنيفة فالمانع عنده أن تكون تحته حرة وهو يفرق في الاسترقاق بين العربي وغيره . وأما إذا وطئ الأمة بزنا فإن ولدها مملوك لسيدها بالاتفاق ; وإن كان أبوه عربيا ; لأن النسب غير لاحق . وأما إذا وطئها بنكاح وهو يعتقدها حرة أو استبرأها فوطئها يظنها مملوكته : فهنا ولده حر سواء كان عربيا أو عجميا . وهذا يسمى " المغرور " فولد المغرور من النكاح أو البيع حر ; لاعتقاده أنه وطئ زوجة حرة أو مملوكته . وعليه الفداء لسيد الأمة كما قضت بذلك الصحابة ; لأنه فوت سيد الأمة ملكهم فكان عليه الضمان . وفي ذلك تفريع ونزاع ليس هذا موضعه . والله أعلم .