[ ص: 62 ] باب المحرمات في النكاح " قاعدة في المحرمات في النكاح نسبا وصهرا " سئل الشيخ رحمه الله عن بيانها مختصرا ؟
فأجاب : الحمد لله رب العالمين . أما المحرمات " بالنسب " فالضابط فيه أن جميع أقارب الرجل من النسب حرام عليه ; إلا بنات أعمامه ; وأخواله وعماته وخالاته .
فأحل سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم من النساء أجناسا أربعة ; ولم يجعل خالصا له من دون المؤمنين إلا الموهوبة ; التي تهب نفسها للنبي ; فجعل هذه من خصائصه : له أن يتزوج الموهوبة بلا مهر وليس هذا لغيره باتفاق المسلمين .
وهذا الذي أجاب به ابن مسعود هو قول فقهاء الكوفة كأبي حنيفة وغيره وفقهاء الحديث كأحمد وغيره وهو أحد قولي الشافعي .
والقول الآخر له وهو مذهب مالك أنه لا مهر لها وهو مروي عن علي وزيد وغيرهما من الصحابة . وتنازعوا في " النكاح إذا شرط فيه نفي المهر " هل يصح النكاح ؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره : " أحدهما " يبطل النكاح كقول مالك .
و " الثاني " يصح ويجب مهر المثل كقول أبي حنيفة والشافعي . والأولون يقولون : هو " نكاح الشغار " الذي أبطله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نفى فيه المهر وجعل البضع مهرا للبضع . وهذا تعليل nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل في غير موضع من كلامه ; وهذا تعليل أكثر قدماء أصحابه .
والآخرون : منهم من يصحح نكاح الشغار كأبي حنيفة ; وقوله أقيس على هذا الأصل ; لكنه مخالف للنص وآثار الصحابة فإنهم أبطلوا نكاح الشغار .
ومنهم من يبطله [ ص: 64 ] ويعلل البطلان إما بدعوى التشريك في البضع وإما بغير ذلك من العلل كما يفعله أصحاب الشافعي ومن وافقهم من أصحاب أحمد : nindex.php?page=showalam&ids=14953كالقاضي أبي يعلى وأتباعه . " والقول الأول " أشبه بالنص والقياس الصحيح كما قد بسط في موضعه . وتنازعوا أيضا في انعقاد النكاح مع المهر بلفظ " التمليك " و " الهبة " وغيرهما : فجوز ذلك الجمهور ; كمالك وأبي حنيفة وعليه تدل نصوص أحمد ; وكلام قدماء أصحابه .
ومنعه الشافعي وأكثر متأخري أصحاب أحمد كابن حامد والقاضي ومن تبعهما ; ولم أعلم أحدا قال هذا قبل ابن حامد من أصحاب أحمد .
وكذلك دخل في " البنات " بنت ابنه وبنت ابن ابنته وإن سفلت بلا نزاع أعلمه .
وكذلك دخل في " الأخوات " الأخت من الأبوين والأب والأم . ودخل في " العمات " و " الخالات " عمات الأبوين وخالات الأبوين .
وفي " بنات الأخ والأخت " ولد الإخوة وإن سفلن فإذا حرم عليه أصوله وفروعه وفروع أصوله البعيدة ; دون بنات العم والعمات وبنات الخال والخالات .
وأما " المحرمات بالصهر " فيقول : كل نساء الصهر حلال له إلا أربعة أصناف بخلاف الأقارب . فأقارب الإنسان كلهن حرام ; إلا أربعة أصناف . وأقارب الزوجين كلهن حلال ; إلا أربعة أصناف وهن حلائل الآباء والأبناء وأمهات النساء وبناتهن . فيحرم على كل من الزوجين أصول الآخر وفروعه . ويحرم على الرجل أم امرأته ; وأم أمها وأبيها وإن علت . وتحرم عليه بنت امرأته وهي الربيبة وبنت بنتها وإن سفلت وبنت الربيب أيضا حرام ; كما نص عليه الأئمة المشهورون : الشافعي وأحمد وغيرهما ولا أعلم فيه نزاعا .
ويحرم عليه أن يتزوج بامرأة أبيه وإن علا ; وامرأة ابنه وإن سفل . فهؤلاء " الأربعة " هن المحرمات بالمصاهرة في كتاب الله ; وكل من الزوجين [ ص: 66 ] يكون أقارب الآخر أصهارا له وأقارب الرجل أحماء المرأة ; وأقارب المرأة أختان الرجل .
وهؤلاء الأصناف الأربعة يحرمن بالعقد ; إلا الربيبة فإنها لا تحرم حتى يدخل بأمها فإن الله لم يجعل هذا الشرط إلا في الربيبة والبواقي أطلق فيهن التحريم . فلهذا قال الصحابة : أبهموا ما أبهم الله . وعلى هذا الأئمة الأربعة وجماهير العلماء .
وأما بنات هاتين وأمهاتهما فلا يحرمن فيجوز له أن يتزوج بنت امرأة أبيه وابنه باتفاق العلماء ; فإن هذه ليست من حلائل الآباء والأبناء فإن " الحليلة " هي الزوجة . وبنت الزوجة وأمها ليست زوجة ; بخلاف الربيبة فإن ولد الربيب ربيب ; كما أن ولد الولد ولد وكذلك أم أم الزوجة أم للزوجة وبنت أم الزوجة لم تحرم فإنها ليست أما .
فلهذا قال من قال من الفقهاء : بنات المحرمات محرمات ; إلا بنات العمات والخالات وأمهات النساء وحلائل الآباء والأبناء . فجعل بنت الربيبة محرمة ; دون بنات الثلاثة . وهذا مما لا أعلم فيه نزاعا . ومن وطئ امرأة بما يعتقده نكاحا فإنه يلحق به النسب ويثبت فيه حرمة المصاهرة باتفاق العلماء فيما أعلم ; وإن كان ذلك النكاح باطلا عند الله ورسوله : مثل الكافر إذا تزوج نكاحا محرما في دين الإسلام فإن هذا يلحقه فيه النسب وتثبت به المصاهرة . فيحرم على كل واحد منهما أصول الآخر وفروعه باتفاق العلماء وكذلك كل وطء اعتقد أنه ليس حراما وهو حرام : مثل [ ص: 67 ] من تزوج امرأة نكاحا فاسدا وطلقها وظن أنه لم يقع به الطلاق لخطئه أو لخطأ من أفتاه فوطئها بعد ذلك فجاءه ولد : فهنا يلحقه النسب وتكون هذه مدخولا بها : فتحرم ; وإن كانت لها أم لم يدخل بأمها باتفاق العلماء . فالكفار إذا تزوج أحدهم امرأة نكاحا يراه في دينه وأسلم بعد ذلك ابنه - كما جرى للعرب الذين أسلم أولادهم وكما يجري في هذا الزمان كثيرا - فهذا ليس له أن يتزوج بامرأة ابنه ; وإن كان نكاحها فاسدا باتفاق العلماء . فالنسب يتبع باعتقاد الوطء للحل ; وإن كان مخطئا في اعتقاده . والمصاهرة تتبع النسب . فإذا ثبت النسب فالمصاهرة بطريق الأولى . وكذلك " حرية الولد " يتبع اعتقاد أبيه ; فإن الولد يتبع أباه في " النسب والحرية " ويتبع أمه في هذا باتفاق العلماء ; ويتبع في الدين خيرهما دينا عند جماهير أهل العلم وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وأحد القولين في مذهب مالك . فمن وطئ أمة غيره بنكاح أو زنا كان ولده مملوكا لسيدها ; وإن اشتراها ممن ظن أنه مالك لها أو تزوجها يظنها حرة فهذا يسمى " المغرور " وولدها حر باتفاق الأئمة لاعتقاده أنه يطأ من يصير الولد بوطئها حرا فالنسب والحرية يتبع اعتقاد الواطئ وإن كان مخطئا ; فكذلك تحريم المصاهرة ; وإنما تنازع العلماء في الزنا المحض هل ينشر حرمة المصاهرة فيه نزاع مشهور بين السلف والخلف . التحريم قول أبي حنيفة وأحمد والجواز مذهب الشافعي ; وعن مالك روايتان .