قيل : إن أهل الكتاب ليس في أصل دينهم شرك ; فإن الله إنما بعث الرسل بالتوحيد فكل من آمن بالرسل والكتب لم يكن في أصل دينهم شرك ولكن النصارى ابتدعوا الشرك كما قال : { سبحانه وتعالى عما يشركون } فحيث وصفهم بأنهم أشركوا فلأجل ما ابتدعوه من الشرك الذي لم يأمر الله به وجب تميزهم عن المشركين لأن أصل دينهم اتباع الكتب المنزلة التي جاءت بالتوحيد ; لا بالشرك : فإذا قيل أهل الكتاب لم يكونوا من هذه الجهة مشركين ; فإن الكتاب الذي أضيفوا إليه لا شرك فيه كما إذا قيل : المسلمون وأمة محمد . لم يكن فيهم من هذه الجهة ; لا اتحاد ولا رفض ولا تكذيب بالقدر ولا غير ذلك من البدع . وإن كان بعض الداخلين في الأمة قد ابتدع هذه البدع ; لكن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة فلا يزال فيها من هو متبع لشريعة التوحيد ; بخلاف أهل الكتاب . ولم يخبر الله عز وجل عن أهل الكتاب أنهم مشركون بالاسم بل قال : { عما يشركون } بالفعل وآية البقرة قال فيها : والمشركين و والمشركات بالاسم . والاسم أوكد من الفعل [ ص: 180 ]
" الوجه الثاني " أن يقال : إن شملهم لفظ المشركين من سورة البقرة كما وصفهم بالشرك : فهذا متوجه بأن يفرق بين دلالة اللفظ مفردا ومقرونا ; فإذا أفردوا دخل فيهم أهل الكتاب وإذا قرنوا مع أهل الكتاب لم يدخلوا فيهم كما قيل مثل هذا في اسم " الفقير " و " المسكين " ونحو ذلك . فعلى هذا يقال : آية البقرة عامة وتلك خاصة . والخاص يقدم على العام .
وأما قوله : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فإنها نزلت بعد صلح الحديبية لما هاجر من مكة إلى المدينة وأنزل الله " سورة الممتحنة " وأمر بامتحان المهاجرين . وهو خطاب لمن كان في عصمته كافرة .