[ ص: 240 ] وسئل رحمه الله تعالى عن رجلين اختلفا في " الشطرنج " فقال أحدهما : هي حرام . وقال الآخر : هي ترد عن الغيبة وعن النظر إلى الناس مع أنها حلال : فأيهما المصيب ؟
فأجاب : الحمد لله رب العالمين . أما إذا كان بعوض أو يتضمن ترك واجب : مثل تأخير الصلاة عن وقتها أو تضييع واجباتها أو ترك ما يجب من مصالح العيال وغير ذلك مما أوجب على المسلمين ; فإنه حرام بإجماع المسلمين وكذلك إذا تضمن كذبا أو ظلما وغير ذلك من المحرمات ; فإنه حرام بالإجماع . وإذا خلا عن ذلك فجمهور العلماء : كمالك وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وأصحابه وكثير من أصحاب الشافعي : أنه حرام . وقال هؤلاء : إن الشافعي لم يقطع بأنه حلال ; بل كرهه .
وقيل : إنه قال : لم يتبين إلي تحريمه . والبيهقي أعلم أصحاب الشافعي بالحديث وأنصرهم للشافعي . ذكر إجماع الصحابة على المنع منه : عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وأبي سعيد وابن عمر وابن عباس وأبي موسى وعائشة - رضي الله عنهم - ولم يحك عن الصحابة في ذلك نزاعا .
ومن نقل عن أحد من الصحابة أنه رخص فيه فهو غالط . والبيهقي وغيره من أهل الحديث أعلم بأقوال الصحابة ممن ينقل أقوالا بلا إسناد قال البيهقي : جعل الشافعي اللعب بالشطرنج من المسائل المختلف فيها . [ ص: 241 ] في أنه لا يوجب رد الشهادة فأما كراهيته اللعب بها فقد صرح بها فيما قدمنا ذكره وهو الأشبه والأولى بمذهبه . فالذين كرهوا أكثر ومعهم من يحتج بقوله . وروي بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يقول : الشطرنج ميسر العجم .
وروي بإسناده عن علي : أنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج وقال : { ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون } ؟ لأن يمس أحدكم جمرا حتى يطفأ خير له من أن يمسها . وعن علي رضي الله عنه أنه مر بمجلس من مجالس تيم الله وهم يلعبون بالشطرنج فقال : أما والله لغير هذا خلقتم أما والله لولا أن يكون سنة لضربت بها وجوهكم وعن مالك قال : بلغنا أن ابن عباس ولي مال يتيم فأحرقها . وعن ابن عمر أنه سئل عن الشطرنج فقال : هو شر من النرد .
وعن أبي موسى الأشعري قال : لا يلعب بالشطرنج إلا خاطئ . وعن عائشة : أنها كانت تكره الكيل وإن لم يقامر عليها . وأبو سعيد الخدري كان يكره اللعب بها . فهذه أقوال الصحابة رضي الله عنهم ولم يثبت عن صحابي خلاف ذلك . ثم روى البيهقي أيضا عن أبي جعفر محمد بن علي المعروف بالباقر أنه سئل عن الشطرنج فقال : دعونا من هذه المجوسية . قال البيهقي : روينا في كراهية اللعب بها . عن يزيد بن أبي حبيب ومحمد ابن سيرين وإبراهيم ومالك بن أنس . قلت : " والكراهية " في كلام السلف كثيرا وغالبا يراد بها التحريم وقد صرح هؤلاء بأنها كراهة تحريم ; بل صرحوا بأنها شر من النرد والنرد حرام ; وإن لم يكن فيها عوض .
[ ص: 242 ] وروي بإسناده عن جامع بن وهب عن nindex.php?page=showalam&ids=233أبي سلمة قال : قلت للقاسم بن محمد : ما " الميسر " ؟ قال : كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة : فهو ميسر . قال يحيى بن أيوب : حدثني nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر . أنه سمع عمر بن عبد الله يقول : قلت للقاسم بن محمد : هذا النرد ميسر . أرأيت الشطرنج ميسر هي ؟ قال القاسم : كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر .
وقال ابن وهب : حدثني يحيى بن أيوب حدثنا أبو قيس عن عقبة بن عامر قال : لأن أعبد صنما يعبد في الجاهلية أحب إلي من أن ألعب بهذا الميسر .
وأما إن كان كلاهما بعوض أو كلاهما بلا عوض فالشطرنج شر من النرد ; لأن الشطرنج يشغل القلب ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة أكثر من النرد . ولهذا قيل : الشطرنج مبني على مذهب القدر والنرد مبني على مذهب الجبر . فإن صاحب النرد يومي ويحسب بعد ذلك وأما صاحب الشطرنج فإنه يقدر ويفكر ويحسب حساب النقلات قبل النقل ; فإفساد الشطرنج للقلب أعظم من إفساد النرد ; ولكن كان معروفا عند العرب ; والشطرنج لم يعرف إلا بعد أن فتحت البلاد ; فإن أصله من الهند وانتقل منهم إلى الفرس ; فلهذا جاء ذكر النرد في الحديث ; وإلا فالشطرنج شر منه إذا استويا في العوض أو عدمه . وقد بسط جواب السؤال في موضع آخر . والله أعلم .