فأجاب : الطلاق والحالة هذه لا يقع به في أصح قولي العلماء كما هو إحدى قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد ; فإن هذه هي مسألة الجاهل والناسي والنزاع فيها مشهور هل يحنث ؟ أم لا يحنث ؟ أم يفرق بين اليمين المكفرة وغيرها ؟ والصواب أنه لا يحنث مطلقا ؟ لأن البر والحنث في اليمين بمنزلة الطاعة والمعصية في الأمر ; إذا كان المحلوف عليه جملة طلبية . فإن المحلوف عليه : إما " جملة خبرية " فيكون مقصود الحالف التصديق والتكذيب . وإما " جملة طلبية " فيكون مقصود الحالف [ ص: 232 ] الحيض والمنع فهو يحض نفسه أو من يحلف عليه ويمنع نفسه أو من يحلف عليه فهو أمر ونهي مؤكد بالقسم . فالحنث في ذلك كالمعصية في الأمر المجرد .
ومعلوم أنه قد استقر في الشريعة : أن من فعل المنهي عنه ناسيا أو مخطئا معتقدا أنه ليس هو المنهي - كأهل التأويل السائغ - فإنه لا يكون هذا الفاعل آثما ولا عاصيا كما قد استجاب الله قول المؤمنين : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } فكذلك من نسي اليمين ; أو اعتقد أن الذي فعله ليس هو المحلوف عليه ; لتأويل ; أو غلط : كسمع ونحوه : لم يكن مخالفا اليمين فلا يكون حالفا . فلا فرق في ذلك بين أن يكون الحلف بالله تعالى أو بسائر الأيمان ; إذ الأيمان يفترق حكمها في المحلوف به . أما في المحلوف عليه فلا فرق والكلام هنا في المحلوف عليه ; لا في المحلوف به . ومعلوم أن الحالف بالطلاق والعتاق لم يجعل ذلك تعليقا محضا : كالتعليق بطلوع الشمس ولا مقصوده وقوع الشرط والجزاء : كنذر التبرر وكالتعليق على العوض في مثل الخلع ; وإنما مقصوده حض نفسه أو منع من حلف عليه ومنع نفسه أو من حلف عليه ; كما يقصد ذلك الناذر : نذر اللجاج والغضب ; ولهذا اتفق الفقهاء على تسمية ذلك يمينا وكان الصحيح في مذهب أحمد وغيره جواز الاستثناء في ذلك ; بخلاف المحض فإنه إيقاع مؤقت فليس هو يمين على الصحيح ولا ينفع فيه الاستثناء منه عند من لا يجوز الاستثناء في الإيقاع : كمالك وأحمد وغيرهما . والله أعلم .