رمتني بدائها وانسلت
[ ص: 341 ] وهم لم يقصدوا هذا التناقض ; ولكن أوقعتهم فيه قواعدهم الفاسدة المنطقية التي زعموا فيها تركيب الموصوفات من صفاتها ووجود الكليات المشتركة في أعيانها . فتلك القواعد المنطقية الفاسدة التي جعلوها قوانين تمنع مراعاتها الذهن أن يضل في فكره أوقعتهم في هذا الضلال والتناقض . ثم إن هذه القوانين فيها ما هو صحيح لا ريب فيه ; وذلك يدل على تناقضهم وجهلهم فإنهم قد قرروا في القوانين المنطقية : أن الكلي هو الذي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه ; بخلاف الجزئي . وقرروا أيضا أن الكليات لا تكون كلية إلا في الأذهان : دون الأعيان . وأن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون إلا في الذهن وهذه قوانين صحيحة . ثم يدعون ما ادعاه أفضل متأخريهم أن الواجب الوجود هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق عن كل أمر ثبوتي . أو كما يقوله طائفة منهم : إنه الوجود المطلق بشرط الإطلاق عن كل أمر ثبوتي وسلبي ; كما يقول ذلك من يقوله من الملاحدة الباطنية المنتسبين إلى التشيع والمنتسبين إلى التصوف . أو يقوله طائفة ثالثة : إنه الوجود المطلق لا بشرط كما تقوله طائفة منهم . وهم متفقون على أن المطلق بشرط الإطلاق عن الأمور الوجودية والعدمية [ ص: 342 ] لا يكون في الخارج موجودا .مجدوا الله فهو للمجد أهل ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء الأعلى الذي سبق الناس
وسوى فوق السماء سريرا شرجعا ما يناله بصر العين
ترى دونه الملائك صورا
جياد بها صرعى لهن كظيظ
ولو قال قائل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { [ ص: 409 ] فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء اطلعت في الجنة } إن اطلاعه فيها كان بالفكرة والإقبال كان حسنا . قلت : وتأويل المجيء والإتيان والنزول ونحو ذلك - بمعنى القصد والإرادة ونحو ذلك - هو قول طائفة . وتأولوا ذلك في قوله تعالى { ثم استوى إلى السماء } وجعل وغيره ذلك : هو إحدى الروايتين عن ابن الزاغوني أحمد .فلا لعمر الذي قد زرته حججا وما أريق على الأنصاب من جسد
كما يقولون : له جسم . فبطل ما ذكروه عن اللغة أن كل ما يتميز منه شيء عن شيء يسمونه جسما .ألا كل شيء ما خلا الله باطل
ولا يقال : هذه المقالة صحيحة في نفسها فإنها لولا خلق الله للأشياء لم تكن موجودة ولولا إبقاؤه لها لم تكن باقية . وقد تكلم النظار في سبب افتقارها إليه هل هو الحدوث - فلا تحتاج إلا في حال الإحداث كما يقول ذلك من يقوله من الجهمية والمعتزلة ونحوهم - أو هو الإمكان الذي يظن أنه يكون بلا حدوث بل بكون الممكن المعلول قديما أزليا ويمكن افتقارها في حال البقاء بلا حدوث كما يقوله وطائفة ؟ . وكلا القولين خطأ كما قد بسط في موضعه وبين أن الإمكان والحدوث متلازمان كما عليه جماهير العقلاء من الأولين والآخرين حتى قدماء ابن سينا الفلاسفة كأرسطو وأتباعه ; فإنهم أيضا يقولون : إن كل ممكن فهو محدث وإنما خالفهم في ذلك وطائفة . ولهذا أنكر ذلك عليه إخوانه من ابن سينا الفلاسفة وغيره والمخلوقات مفتقرة إلى الخالق فالفقر وصف لازم لها دائما لا تزال مفتقرة إليه . كابن رشدألا كل شيء ما خلا الله باطل
[ ص: 516 ] وهو كالدعاء المأثور : { أشهد أن كل معبود من لدن عرشك إلى قرار أرضك باطل إلا وجهك الكريم }ألا كل شيء ما خلا الله باطل
أصدق كلمة قالها شاعر كلمة } هذا معناه . أن كل معبود من دون الله باطل كقوله : { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل } وقال تعالى : { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون } { فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون } وقد قال قبل هذا : { وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون } كما قال في الأنعام : { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق } وقال : { ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم }