وسئل رحمه الله عن رجل تزوج امرأة وأقامت في صحبته خمسة عشر يوما ثم طلقها الطلاق البائن وتزوجت بعده بزوج آخر بعد إخبارها بانقضاء العدة من الأول ; ثم طلقها الزوج الثاني بعد مدة ست سنين وجاءت بابنة وادعت أنها من الزوج الأول : فهل يصح دعواها . ويلزم الزوج الأول ولم يثبت أنها ولدت البنت وهذا الزوج والمرأة مقيمان ببلد واحد وليس لها مانع من دعوى النساء ولا مطالبته بنفقة ولا فرض ؟ [ ص: 12 ]
فأجاب : الحمد لله . لا يلحق هذا الولد الذي هو البنت بمجرد دعواها والحالة هذه باتفاق الأئمة ; بل لو ادعت أنها ولدته في حال يلحق به نسبه إذا ولدته وكانت مطلقة وأنكر هو أن تكون ولدته لم تقبل في دعوى الولادة بلا نزاع حتى تقيم بذلك بينة . ويكفي امرأة واحدة : عند أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه وعند مالك وأحمد في الرواية الأخرى لا بد من امرأتين . وأما الشافعي فيحتاج عنده إلى أربع نسوة . ويكفي يمينه أنه لا يعلم أنها ولدته . وأما إن كانت الزوجية قائمة ففيها قولان في مذهب أحمد " أحدهما " لا يقبل قولها كمذهب الشافعي . " والثاني " يقبل كمذهب مالك . وأما إذا انقضت عدتها ومضى لها أكثر الحمل ثم ادعت وجود حمل من الزوج الأول المطلق : فهذه لا يقبل قولها بلا نزاع بل لو أخبرت بانقضاء عدتها ثم أتت بولد لستة أشهر فصاعدا ولدون مدة الحمل : فهل يلحقه ؟ على قولين مشهورين لأهل العلم .
ومذهب أبي حنيفة وأحمد أنه يلحق وهذا اختيار ابن سريج من أصحاب الشافعي ; لكن المشهور من مذهب الشافعي ومالك أنه لا يلحقه . وهذا النزاع إذا لم تتزوج فأما إذا تزوجت بعد إخبارها بانقضاء عدتها ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر ; فإن هذا لا يلحق نسبه بالأول قولا واحدا . فإذا عرفت مذهب الأئمة في هذين الأصلين فكيف يلحقه نسبه [ ص: 13 ] بدعواها بعد ست سنين . ولو قالت ولدته ذلك الزمن قبل أن يطلقني لم يقبل قولها أيضا ; بل القول قوله مع يمينه إنها لم تلدها على فراشه ولو قالت هي : وضعت هذا الحمل قبل أن أتزوج بالثاني وأنكر الزوج الأول ذلك : فالقول قوله أيضا أنها لم تضعها قبل تزوجها بالثاني ; لا سيما مع تأخر دعواها إلى أن تزوجت الثاني ; فإن هذا مما يدل على كذبها في دعواها ; لا سيما على أصل مالك في تأخر الدعوى الممكنة بغير عذر في هذه المسائل ونحوها .