وسئل رحمه الله عن الرجل يلطم الرجل أو يكلمه أو يسبه : هل يجوز أن يفعل به كما فعل ؟
فأجاب : وأما " القصاص في اللطمة والضربة " ونحو ذلك : فمذهب الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة والتابعين أن القصاص ثابت في ذلك كله وهو المنصوص عن أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد الشالنجي . وذهب كثير من الفقهاء إلى أنه لا يشرع في ذلك قصاص ; لأن المساواة فيه متعذرة في الغالب وهذا قول كثير من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد . [ ص: 163 ] والأول أصح ; فإن سنة النبي صلى الله عليه وسلم مضت بالقصاص في ذلك وكذلك سنة الخلفاء الراشدين وقد قال تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقال تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ونحو ذلك .
وأما قول القائل : إن المماثلة في هذه الجناية متعذرة . فيقال : لا بد لهذه الجناية من عقوبة : إما قصاص وإما تعزير . فإذا جوز أن يعزز تعزيرا غير مضبوط الجنس والقدر فلأن يعاقب إلى ما هو أقرب إلى الضبط من ذلك أولى وأحرى . والعدل في القصاص معتبر بحسب الإمكان ومن المعلوم أن الضارب إذا ضرب ضربة مثل ضربته أو قريبا منها كان هذا أقرب إلى العدل من أن يعزر بالضرب بالسوط ; فالذي يمنع القصاص في ذلك خوفا من الظلم يبيح ما هو أعظم ظلما مما فر منه . فعلم أنما جاءت به السنة أعدل وأمثل . وكذلك له أن يسبه كما يسبه : مثل أن يلعنه كما يلعنه . أو يقول : قبحك الله . فيقول : قبحك الله . أو : أخزاك الله . فيقول له : أخزاك الله . أو يقول : يا كلب يا خنزير فيقول : يا كلب يا خنزير فأما إذا كان محرم الجنس مثل تكفيره أو الكذب عليه لم يكن له أن يكفره ولا يكذب عليه . وإذا لعن أباه لم يكن له أن يلعن أباه لأن أباه لم يظلمه .