وسئل رحمه الله عن " النصوح " هل هو حلال أم حرام ؟ وهم يقولون : إن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعمله . " وصورته " أن يأخذ ثلاثين رطلا من ماء عنب ويغلي حتى يبقى ثلثه ; فهل هذه صورته ؟ وقد نقل [ ص: 199 ] من فعل بعض ذلك أنه يسكر ; وهو اليوم جهارا في الإسكندرية ومصر ; ونقول لهم : هو حرام ; فيقولون : كان على زمن عمر ; ولو كان حراما لنهى عنه ؟
فمذهب أهل الحجاز واليمن ; ومصر ; والشام والبصرة وفقهاء الحديث : كمالك والشافعي ; nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وغيره : أن كل ما أسكر [ ص: 200 ] كثيره فقليله حرام ; وهو خمر عندهم من أي مادة كانت : من الحبوب والثمار وغيرها سواء كان من العنب أو التمر ; أو الحنطة أو الشعير أو لبن الخيل أو غير ذلك وسواء كان نيئا أو مطبوخا وسواء ذهب ثلثاه أو ثلثه ; أو نصفه أو غير ذلك . فمتى كان كثيره مسكرا حرم قليله بلا نزاع بينهم . ومع هذا فهم يقولون بما ثبت عن عمر ; فإن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام وأراد أن يطبخ للمسلمين شرابا لا يسكر كثيره طبخ العصير حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه وصار مثل الرب فأدخل فيه أصبعه فوجده غليظا فقال : كأنه الطلا . يعني الطلا الذي يطلى به الإبل فسموا ذلك " الطلا " . فهذا الذي أباحه عمر لم يكن يسكر وذكر ذلك أبو بكر عبد العزيز بن جعفر صاحب الخلال : أنه مباح بإجماع المسلمين وهذا بناء على أنه لا يسكر ولم يقل أحد من الأئمة المذكورين إنه يباح مع كونه مسكرا ولكن نشأت " شبهة " من جهة أن هذا المطبوخ قد يسكر ; لأشياء إما لأن طبخه لم يكن تاما ; فإنهم ذكروا صفة طبخه أنه يغلي عليه أولا حتى يذهب وسخه ثم يغلي عليه بعد ذلك حتى يذهب ثلثاه فإذا ذهب ثلثاه والوسخ فيه كان الذاهب منه أقل من الثلثين ; لأن الوسخ يكون حينئذ من غير الذاهب . وإما من جهة أنه قد يضاف إلى المطبوخ من الأفاويه وغيرها [ ص: 201 ] ما يقويه ويشده حتى يصير مسكرا فيصير بذلك من باب الخليطين وقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=601038نهى عن الخليطين } لتقوية أحدهما صاحبه كما نهى عن خليط التمر والزبيب وعن الرطب والتمر ونحو ذلك . وللعلماء نزاع في " الخليطين " إذا لم يسكر كما تنازع العلماء في نبيذ الأوعية التي لا يشتد ما فيها بالغليان وكما تنازعوا في العصير والنبيذ بعد ثلاث .
وأما إذا صار الخليطان من المسكر فإنه حرام باتفاق هؤلاء الأئمة . فالذي أباحه عمر من المطبوخ كان صرفا فإذا خلطه بما قواه وذهب ثلثاه لم يكن ذلك ما أباحه عمر . وربما يكون لبعض البلاد طبيعة يسكر فيها ما ذهب ثلثاه فيحرم إذا أسكر ; فإن مناط التحريم هو السكر باتفاق الأئمة . ومن قال . إن عمر أو غيره من الصحابة أباح مسكرا فقد كذب عليهم .