وسئل رحمه الله تعالى عما يتعلق بالتهم في المسروقات في ولايته ; فإن ترك الفحص في ذلك ضاعت الأموال وطمعت الفساق . وإن وكله إلى غيره ممن هو تحت يده غلب على ظنه أنه يظلم فيها أو يتحقق أنه لا يفي بالمقصود في ذلك ؟ وإن [ ص: 236 ] أقدم وسأل أو أمسك المتهومين وعاقبهم خاف الله تعالى في إقدامه على أمر مشكوك فيه ؟ وهو يسأل ضابطا في هذه الصورة وفي أمر قاطع الطريق ؟
فأجاب : أما التهم في السرقة وقطع الطريق ونحو ذلك فليس له أن يفوضها إلى من يغلب على ظنه أنه يظلم فيها مع إمكان أن يقيم فيها من العدول ما يقدر عليه وذلك أن الناس في التهم " ثلاثة أصناف " . " صنف " معروف عند الناس بالدين والورع وأنه ليس من أهل التهم . فهذا لا يحبس ولا يضرب ; بل ولا يستحلف في أحد قولي العلماء ; بل يؤدب من يتهمه فيما ذكره كثير منهم . و " الثاني " من يكون مجهول الحال لا يعرف ببر ولا فجور . فهذا يحبس حتى يكشف عن حاله . وقد قيل : يحبس شهرا . وقيل : يحبس بحسب اجتهاد ولي الأمر .
والأصل في ذلك ما روى أبو داود وغيره { nindex.php?page=hadith&LINKID=601053أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة } وقد نص على ذلك الأئمة وذلك أن هذه بمنزلة ما لو ادعى عليه مدع فإنه يحضر مجلس ولي الأمر الحاكم بينهما وإن كان في ذلك تعويقه عن أشغاله فكذلك تعويق هذا إلى أن يعلم أمره ثم إذا سأل عنه ووجد بارا أطلق . وإن وجد فاجرا كان من " الصنف الثالث " وهو الفاجر الذي قد عرف منه السرقة قبل ذلك أو عرف بأسباب السرقة : مثل أن يكون [ ص: 237 ] معروفا بالقمار والفواحش التي لا تتأتى إلا بالمال وليس له مال ونحو ذلك فهذا لوث في التهمة ; ولهذا قالت طائفة من العلماء إن مثل هذا يمتحن بالضرب يضربه الوالي والقاضي - كما قال أشهب صاحب مالك وغيره - حتى يقر بالمال .
وهكذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالقسامة في الدماء إذا كان هناك لوث يغلب على الظن صدق المدعين ; فإن هذه الأمور من الحدود في المصالح العامة ; ليست من الحقوق الخاصة فلولا القسامة في الدماء لأفضى إلى سفك الدماء فيقتل الرجل عدوه خفية ولا يمكن أولياء المقتول إقامة البينة ; واليمين على القاتل والسارق والقاطع سهلة فإن من يستحل هذه الأمور لا يكترث باليمين . وقول النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=601054لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ; ولكن اليمين على المدعى عليه } هذا فيما لا يمكن من المدعي حجة غير الدعوى فإنه لا يعطى بها شيئا ولكن يحلف المدعى عليه .
فأما إذا أقام شاهدا بالمال فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم في المال بشاهد ويمين وهو قول فقهاء الحجاز وأهل الحديث كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم وإذا كان في دعوى الدم لوث فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للمدعين : { nindex.php?page=hadith&LINKID=7411أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم ؟ } [ ص: 239 ] كذلك أمر " قطاع الطريق " وأمر " اللصوص " وهو من المصالح العامة التي ليست من الحقوق الخاصة ; فإن الناس لا يأمنون على أنفسهم وأموالهم في المساكن والطرقات إلا بما يزجرهم في قطع هؤلاء ولا يزجرهم أن يحلف كل منهم ; ولهذا اتفق الفقهاء على أن قاطع الطريق لأخذ المال يقتل حتما وقتله حد لله ; وليس قتله مفوضا إلى أولياء المقتول .