[ ص: 53 ] وسئل رحمه الله عن " البغاة والخوارج " : هل هي ألفاظ مترادفة بمعنى واحد ؟ أم بينهما فرق ؟ وهل فرقت الشريعة بينهما في الأحكام الجارية عليهما أم لا ؟ وإذا ادعى مدع أن الأئمة اجتمعت على أن لا فرق بينهم إلا في الاسم ; وخالفه مخالف مستدلا بأن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه فرق بين أهل الشام وأهل النهروان : فهل الحق مع المدعي ؟ أو مع مخالفه ؟
فأجاب : الحمد لله . أما قول القائل : إن الأئمة اجتمعت على أن لا فرق بينهما إلا في الاسم . فدعوى باطلة ومدعيها مجازف فإن نفي الفرق إنما هو قول طائفة من أهل العلم من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم : مثل كثير من المصنفين في " قتال أهل البغي " فإنهم قد يجعلون قتال أبي بكر لمانعي الزكاة وقتال علي الخوارج وقتاله لأهل الجمل وصفين إلى غير ذلك من قتال المنتسبين إلى الإسلام . من باب " قتال أهل البغي " [ ص: 54 ] ثم مع ذلك فهم متفقون على أن مثل طلحة والزبير ونحوهما من الصحابة من أهل العدالة ; لا يجوز أن يحكم عليهم بكفر ولا فسق ; بل مجتهدون : إما مصيبون وإما مخطئون . وذنوبهم مغفورة لهم .
وأما " أهل الجمل وصفين " فكانت منهم طائفة قاتلت من هذا الجانب وأكثر أكابر الصحابة لم يقاتلوا لا من هذا الجانب ولا من هذا الجانب واستدل التاركون للقتال بالنصوص الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ترك القتال في الفتنة وبينوا أن هذا قتال فتنة . وكان علي رضي الله عنه مسرورا لقتال الخوارج ويروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بقتالهم ; وأما قتال " صفين " فذكر أنه ليس معه فيه نص ; وإنما هو رأي رآه وكان أحيانا يحمد من لم ير القتال . [ ص: 56 ] وقد ثبت في الصحيح { nindex.php?page=hadith&LINKID=10959عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحسن إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين } فقد مدح الحسن وأثنى عليه بإصلاح الله به بين الطائفتين : أصحاب علي وأصحاب معاوية وهذا يبين أن ترك القتال كان أحسن وأنه لم يكن القتال واجبا ولا مستحبا . " وقتال الخوارج " قد ثبت عنه أنه أمر به وحض عليه فكيف يسوي بين ما أمر به وحض عليه وبين ما مدح تاركه وأثنى عليه . فمن سوى بين قتال الصحابة الذين اقتتلوا بالجمل وصفين وبين قتال ذي الخويصرة التميمي وأمثاله من الخوارج المارقين والحرورية المعتدين : كان قولهم من جنس أقوال أهل الجهل والظلم المبين . ولزم صاحب هذا القول أن يصير من جنس الرافضة والمعتزلة الذين يكفرون أو يفسقون المتقاتلين بالجمل وصفين كما يقال مثل ذلك في الخوارج المارقين ; فقد اختلف السلف والأئمة في كفرهم على قولين مشهورين مع اتفاقهم على الثناء على الصحابة المقتتلين بالجمل وصفين والإمساك عما شجر بينهم . فكيف نسبة هذا بهذا وأيضا { nindex.php?page=hadith&LINKID=69765فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال الخوارج قبل أن يقاتلوا } .