[ ص: 84 ] وسئل رحمه الله تعالى عن طائفتين تزعمان أنهما من أمة محمد صلى الله عليه وسلم تتداعيان بدعوة الجاهلية : كأسد وهلال ، وثعلبة ، وحرام ، وغير ذلك . وبينهم أحقاد ودماء ; فإذا تراءت الفئتان سعى المؤمنون بينهم لقصد التأليف ، وإصلاح ذات البين ; فيقول أولئك الباغون : إن الله قد أوجب علينا طلب الثأر بقوله : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } - إلى قوله - { والجروح قصاص } ثم إن المؤمنين يعرفونهم أن هذا الأمر يفضي إلى الكفر : من قتل النفوس ، ونهب الأموال . فيقولون : نحن لنا عليهم حقوق ، فلا نفارق حتى نأخذ ثأرنا بسيوفنا ، ثم يحملون عليهم ، فمن انتصر منهم بغى وتعدى وقتل النفس ، ويفسدون في الأرض : فهل يجب قتال الطائفة الباغية وقتلها ، بعد أمرهم بالمعروف ؟ أو ماذا يجب على الإمام أن يفعل بهذه الطائفة الباغية ؟
ومن طرق الصلح أن يحكم بينهما بالعدل . فينظر ما أتلفته كل طائفة من الأخرى من النفوس والأموال ، فيتقاصان { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } وإذا فضل لإحداهما على الأخرى شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ; فإن كان يجهل عدد القتلى ، أو مقدار المال : جعل المجهول كالمعدوم . وإذا ادعت إحداهما على الأخرى بزيادة : فإما أن تحلفها على نفي ذلك ، وإما أن تقيم البينة ، وإما تمتنع عن اليمين فيقضى برد اليمين أو النكول .
فإن كانت إحدى الطائفتين تبغي بأن تمتنع عن العدل الواجب ، ولا تجيب إلى أمر الله ورسوله ، وتقاتل على ذلك أو تطلب قتال الأخرى وإتلاف النفوس والأموال ، كما جرت عادتهم به ; فإذا لم يقدر على كفها إلا بالقتل قوتلت حتى تفيء إلى أمر الله ; وإن أمكن أن تلزم بالعدل بدون القتال [ ص: 87 ] مثل أن يعاقب بعضهم ، أو يحبس ; أو يقتل من وجب قتله منهم ، ونحو ذلك : عمل ذلك ، ولا حاجة إلى القتال .
وكذلك إن كان كبيرا وهذا صغيرا ، أو هذا غنيا وهذا فقيرا وهذا عربيا وهذا عجميا ، أو هذا هاشميا وهذا قرشيا . وهذا رد لما كان عليه [ ص: 88 ] أهل الجاهلية من أنه إذا قتل كبير من القبيلة قتلوا به عددا من القبيلة الأخرى [ غير قبيلة القاتل ] ، وإذا قتل ضعيف من قبيلة لم يقتلوا قاتله إذا كان رئيسا مطاعا فأبطل الله ذلك بقوله : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } فالمكتوب عليهم هو العدل ، وهو كون النفس بالنفس ; إذ الظلم حرام .