[ ص: 163 ] وسئل رحمه الله تعالى عن هؤلاء " القلندرية " الذين يحلقون ذقونهم : ما هم ؟ ومن أي الطوائف يحسبون ؟ وما قولكم في اعتقادهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم شيخهم قلندر عنبا وكلمه بلسان العجم ؟
وقد يكون فيهم من هو مسلم ; لكن مبتدع ضال أو فاسق فاجر . ومن قال إن " قلندر " موجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كذب وافترى ; بل قد قيل : أصل هذا الصنف أنهم كانوا قوما من نساك الفرس يدورون على ما فيه راحة قلوبهم بعد أداء الفرائض واجتناب المحرمات .
هكذا فسرهم الشيخ أبو حفص السهروردي في عوارفه ثم إنهم بعد ذلك تركوا الواجبات وفعلوا المحرمات . [ ص: 164 ] بمنزلة " الملامية " الذين كانوا يخفون حسناتهم ويظهرون ما لا يظن بصاحبه الصلاح من زي الأغنياء ولبس العمامة فهذا قريب . وصاحبه مأجور على نيته ; ثم حدث قوم فدخلوا في أمور مكروهة في الشريعة ; ثم زاد الأمر ففعل قوم المحرمات من الفواحش والمنكرات وترك الفرائض والواجبات ; وزعموا أن ذلك دخول منهم في " الملاميات " ولقد صدقوا في استحقاقهم اللوم والذم والعقاب من الله في الدنيا والآخرة ; وتجب عقوبتهم جميعهم ومنعهم من هذا الشعار الملعون كما يجب ذلك في كل معلن ببدعة أو فجور .
وليس ذلك مختصا بهم ; بل كل من كان من المتنسكة والمتفقهة والمتعبدة والمتفقرة والمتزهدة والمتكلمة والمتفلسفة ومن وافقهم من الملوك والأغنياء ; والكتاب ; والحساب ; والأطباء ; وأهل الديوان والعامة : خارجا عن الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسوله لا يقر بجميع ما أخبر الله به على لسان رسوله ; ولا يحرم ما حرمه الله ورسوله ; أو يدين بدين يخالف الدين الذي بعث الله به رسوله باطنا وظاهرا : مثل من يعتقد أن شيخه يرزقه ; أو ينصره أو يهديه ; أو يغيثه ; أو يعينه ; أو كان يعبد شيخه أو يدعوه ويسجد له ; أو كان يفضله على النبي صلى الله عليه وسلم تفضيلا مطلقا ; أو مقيدا في شيء من الفضل الذي يقرب إلى الله تعالى ; أو كان يرى أنه هو أو شيخه مستغن عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فكل هؤلاء كفار إن أظهروا ذلك ; ومنافقون إن لم يظهروه .
[ ص: 165 ] وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان فلقلة دعاة العلم والإيمان وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى وكثير منهم لم يبلغهم ذلك .
وفي أوقات الفترات وأمكنة الفترات : يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل ويغفر الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه كما في الحديث المعروف : " { يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا صياما ولا حجا ولا عمرة إلا الشيخ الكبير ; والعجوز الكبيرة .
ويقولون : أدركنا آباءنا وهم يقولون لا إله إلا الله فقيل nindex.php?page=showalam&ids=21لحذيفة بن اليمان : ما تغني عنهم لا إله إلا الله ؟ فقال : تنجيهم من النار } .
وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال هي كفر قولا يطلق كما دل على ذلك الدلائل الشرعية ; فإن " الإيمان " من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله ; ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم .
ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه مثل من قال : إن الخمر أو الربا حلال ; لقرب عهده بالإسلام ; أو لنشوئه في بادية بعيدة أو سمع كلاما أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها وكما كان الصحابة يشكون في أشياء مثل رؤية الله وغير ذلك [ ص: 166 ] حتى يسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل الذي قال : إذا أنا مت فاسحقوني وذروني في اليم ; لعلي أضل عن الله ونحو ذلك ; فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة كما قال الله تعالى : {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } وقد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وقد أشبعنا الكلام في القواعد التي في هذا الجواب في أماكنها والفتوى لا تحتمل البسط أكثر من هذا . والله أعلم .