فصل فأما
الحلف بالنذر الذي هو " نذر اللجاج والغضب " مثل أن يقول : إن فعلت كذا فعلي الحج أو فمالي صدقة أو فعلي صيام . يريد بذلك أن يمنع نفسه عن الفعل . أو أن يقول : إن لم أفعل كذا فعلي الحج ونحوه : فمذهب أكثر أهل العلم أنه يجزئه كفارة يمين من أهل
مكة والمدينة والبصرة والكوفة وهو قول فقهاء الحديث :
كالشافعي وأحمد .
وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبي عبيد وغيرهم وهذا إحدى الروايتين عن
أبي حنيفة وهو الرواية المتأخرة عنه .
[ ص: 254 ] ثم اختلف هؤلاء فأكثرهم قالوا : هو مخير بين الوفاء بنذره وبين كفارة يمين ; وهذا قول
الشافعي والمشهور عن
أحمد . ومنهم من قال : بل عليه الكفارة عينا كما يلزمه ذلك في اليمين بالله وهو الرواية الأخرى عن
أحمد وقول بعض أصحاب
الشافعي . وقال
مالك وأبو حنيفة في الرواية الأخرى وطائفة : بل يجب الوفاء بهذا النذر وقد ذكروا أن
الشافعي سئل عن هذه المسألة
بمصر فأفتى فيها بالكفارة فقال له السائل : يا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله هذا قولك ؟ قال : قول من هو خير مني
عطاء بن أبي رباح . وذكروا أن
Multitarajem.php?tid=16337,16338عبد الرحمن بن القاسم حنث ابنه في هذه اليمين فأفتاه بكفارة يمين بقول
الليث بن سعد وقال : إن عدت أفتيتك بقول
مالك وهو الوفاء به . ولهذا يفرع أصحاب
مالك مسائل هذه اليمين على النذر ; لعمومات الوفاء بالنذر ; لقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37477من نذر أن يطيع الله فليطعه } ولأنه حكم جائز معلق بشرط فوجب عند ثبوت شرطه كسائر الأحكام . والقول الأول هو الصحيح . والدليل عليه - مع ما سنذكره إن شاء [ الله ] من دلالة الكتاب والسنة - ما اعتمده الإمام
أحمد وغيره قال
أبو بكر الأثرم في " مسائله " سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله يسأل عن رجل قال : ما له في رتاج
الكعبة ؟ قال كفارة يمين واحتج بحديث
عائشة . قال : وسمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله يسأل عن
رجل يحلف بالمشي إلى بيت الله أو الصدقة بالملك ونحو ذلك من الأيمان ؟ فقال :
[ ص: 255 ] إذا حنث فكفارة ; إلا أني لا أحمله على الحنث ما لم يحنث قيل له تفعل . قيل
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأبي عبد الله : فإذا حنث كفر ؟ قال : نعم . قيل له : أليس كفارة يمين ؟ قال : نعم . قال : وسمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله يقول في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=149ليلى بنت العجماء حين حلفت بكذا وكذا وكل مملوك لها حر فأفتيت بكفارة يمين فاحتج بحديث
ابن عمر وابن عباس حين أفتيا فيمن حلف بعتق جارية وأيمان فقال : أما الجارية فتعتق . وقال
الأثرم حدثنا
الفضل بن دكين ثنا
حسن عن
ابن أبي نجيح عن
عطاء عن
عائشة قالت : من
قال مالي في ميراث الكعبة وكل مالي فهو هدي وكل مالي في المساكين فليكفر يمينه . وقال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16272عارم بن الفضل ثنا
معمر بن سليمان قال قال أبي حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15558بكر بن عبد الله أخبرني
أبو رافع قال قالت مولاتي
nindex.php?page=showalam&ids=149ليلى بنت العجماء : كل مملوك لها حر وكل مال لها هدي وهي يهودية وهي نصرانية : إن لم تطلق امرأتك أو تفرق بينك وبين امرأتك . قال : فأتيت
nindex.php?page=showalam&ids=219زينب بنت أم سلمة وكانت إذا ذكرت امرأة
بالمدينة فقيهة ذكرت
زينب قال فأتيتها فجاءت معي إليها فقالت : في البيت
هاروت وماروت قالت : يا
زينب جعلني الله فداك إنها قالت : كل مملوك لها حر وكل مال لها هدي وهي يهودية وهي نصرانية . فقالت : يهودية ونصرانية خلي بين الرجل وبين
[ ص: 256 ] امرأته فأتيت
حفصة أم المؤمنين فأرسلت إليها فأتتها فقالت : يا أم المؤمنين جعلني الله فداك : إنها
قالت : كل مملوك لها حر وكل مال لها هدي وهي يهودية وهي نصرانية فقالت : يهودية ونصرانية خلي بين الرجل وبين امرأته قال فأتيت
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر فجاء معي إليها فقام على الباب فسلم فقال : أمن حجارة أنت ؟ أم من حديد أنت أم من أي شيء أنت أفتتك
زينب ; وأفتتك أم المؤمنين : فلم تقبلي فتياها قالت يا
أبا عبد الرحمن جعلني الله فداك إنها قالت : كل مملوك لها حر وكل مال لها هدي وهي يهودية وهي نصرانية . فقال : يهودية ونصرانية كفري عن يمينك وخلي بين الرجل وبين امرأته . وقال
الأثرم حدثنا
Multitarajem.php?tid=16432,16433عبد الله بن رجاء أنبأنا
عمران عن
قتادة عن
زرارة بن أبي أوفى : أن امرأة سألت
ابن عباس أن
امرأة جعلت بردها عليها هديا إن لبسته فقال
ابن عباس : في غضب أم في رضى ؟ قالوا : في غضب . قال : إن الله تبارك وتعالى لا يتقرب إليه بالغضب ; لتكفر عن يمينها . وقال : حدثني
Multitarajem.php?tid=12799,12800ابن الطباع ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبو بكر بن عياش . عن
nindex.php?page=showalam&ids=14807العلاء بن المسيب عن
يعلى بن النعمان وعكرمة عن
ابن عباس : سئل عن رجل جعل ماله في المساكين ؟ فقال : أمسك عليك مالك وأنفقه على عيالك . واقض به دينك وكفر عن يمينك
[ ص: 257 ] وروى
الأثرم عن
أحمد حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج سئل
عطاء عن رجل قال علي ألف بدنة ؟ قال يمين . وعن
رجل قال علي ألف حجة ؟ قال يمين . وعن رجل قال : مالي هدي ؟ قال : يمين . وعن رجل قال : مالي في المساكين ؟ قال : يمين . وقال
أحمد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق أنبأنا
معمر عن
قتادة : عن
الحسن وجابر بن زيد في الرجل يقول : إن لم أفعل كذا وكذا فأنا محرم بحجة ؟ قالا : ليس الإحرام إلا على من نوى الحج يمين يكفرها . وقال
أحمد : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق أنبأنا
معمر عن
ابن طاوس عن أبيه قال : يمين يكفرها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15703حرب الكرماني حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15244المسيب بن واضح ثنا
يوسف بن أبي السفر ; عن
الأوزاعي عن
عطاء بن أبي رباح سألت
ابن عباس عن الرجل يحلف بالمشي إلى
بيت الله الحرام ؟ قال : إنما المشي على من نواه فأما
من حلف في الغضب فعليه كفارة يمين . وأيضا فإن الاعتبار في الكلام بمعنى الكلام لا بلفظه ; وهذا الحالف ليس مقصوده قربة لله وإنما مقصوده الحض على فعل أو المنع منه وهذا معنى اليمين . فإن الحالف يقصد الحض على فعل أو المنع منه ثم إذا علق ذلك الفعل بالله تعالى أجزأته الكفارة فلا تجزئه إذا علق به وجوب عبادة أو تحريم مباح بطريق الأولى لأنه إذا علقه بالله ثم حنث كان موجب حنثه أنه قد هتك إيمانه بالله حيث لم يف بعهده وإذا علق به وجوب فعل أو تحريمه فإنما يكون موجب حنثه ترك واجب أو فعل محرم ومعلوم أن الحنث الذي
[ ص: 258 ] موجبه خلل في التوحيد أعظم مما موجبه معصية من المعاصي ; فإذا كان الله قد شرع الكفارة لإصلاح ما اقتضى الحنث في التوحيد فساده ونحو ذلك وجبره فلأن يشرع لإصلاح ما اقتضى الحنث فساده في الطاعة أولى وأحرى . وأيضا فإنا نقول : إن موجب صيغة القسم مثل موجب صيغة التعليق . والنذر نوع من اليمين وكل نذر فهو يمين فقول الناذر : لله علي أن أفعل . بمنزلة قوله : أحلف بالله لأفعلن ; موجب هذين القولين التزام الفعل معلقا بالله . والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم {
النذر حلف } فقوله إن فعلت كذا فعلي الحج لله . بمنزلة قوله : إن فعلت كذا فوالله لأحجن . وطرد هذا أنه إذا حلف ليفعلن برا لزمه فعله ولم يكن له أن يكفر فإن حلفه ليفعلنه نذر لفعله . وكذلك طرد هذا أنه إذا نذر ليفعلن معصية أو مباحا فقد حلف على فعلها بمنزلة ما لو قال : والله لأفعلن كذا : ولو حلف بالله ليفعلن معصية أو مباحا لزمته كفارة يمين فكذلك لو قال : آلله علي أن أفعل كذا . ومن الفقهاء من أصحابنا وغيرهم من يفرق بين البابين .