واتفق العلماء على أن
التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد .
والمعصية نوعان : ترك واجب ; أو فعل محرم . إن ترك الواجبات مع قدرته كقضاء الديون وأداء الأمانات إلى أهلها من الوكالات والودائع وأموال اليتامى والوقوف والأموال السلطانية أو رد المغصوب والمظالم : فإنه يعاقب حتى يؤديها .
وكذلك من وجب عليه إحضار نفس ; لاستيفاء حق وجب عليه مثل أن يقطع رجل الطريق ويفر إلى بعض ذوي قدرة فيحول بينه وبين أخذ الحدود والحقوق منه : فهذا محرم بالاتفاق وقد روى
مسلم في صحيحه عن
[ ص: 403 ] علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25779لعن الله من أحدث حدثا أو آوى محدثا } وروى
أبو داود في سننه عن
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601220من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع ومن حالت شفاعته دون حد في حدود الله فقد ضاد الله في أمره ومن قال في مسلم ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال حتى يخرج مما قال } .
فما وجب إحضاره من النفوس والأموال استحق الممتنع من فعل الواجب العقوبة حتى يفعله .
وأما إذا كان الإحضار إلى من يظلمه أو إحضار المال إلى من يأخذه بغير حق . فهذا لا يجب بل ولا يجوز ; فإن الإعانة على الظلم ظلم قال الله تعالى : {
وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } وقال تعالى : {
يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى } .
وأما " مواطن الاشتباه " المشتملة على الظلم من الجانبين : مثل
ولاة الأموال السلطانية إذا أخذوا ما [ لا ] يستحقونه وكان المستخرج لها ظالما في صرفها أيضا : فهذا ليس على أحد أن يعين الظالم القادر على إبقائها بيده ولا يعين الظالم الطالب أيضا في قبضها ; بل إن ترجيح أحد الجانبين بنوع من الحق أعان على الحق وإن كان كل منهما ظالما ولا يمكن صرفها إلى مستحق
[ ص: 404 ] عدل بين الظالمين في ذلك فإن العدل مأمور به في جميع الأمور بحسب الإمكان . ومن العدل في ذلك ألا يمكن أحدهما من البغي على الآخر ; بل يفعل أقرب الممكن إلى العدل .