فأجاب : ثم إن جماعات ينتسبون إلى الشيخ " عثمان بن مرزوق " ويقولون : أشياء مخالفة لما كان عليه وهو منتسب إلى مذهب أحمد وكان من أصحاب الشيخ عبد الوهاب بن أبي الفرج الشيرازي وهؤلاء ينتسبون إلى مذهب الشافعي ويقولون أقوالا مخالفة لمذهب الشافعي وأحمد ; بل ولسائر الأئمة وشيخهم هذا من شيوخ العلم والدين له أسوة أمثاله وإذا قال قولا قد علم أن قول الشافعي وأحمد يخالفه وجب تقديم قولهما على قوله مع دلالة الكتاب والسنة على قول الأئمة ; فكيف إذا كان القول مخالفا لقوله ولقول الأئمة وللكتاب والسنة . وذلك مثل قولهم : ولا نقول قطعا ونقول نشهد أن محمدا رسول الله ولا نقطع ونقول : إن السماء فوقنا ولا نقطع ويروون أثرا عن علي وبعضهم يرفعه أنه قال : لا تقل قطعا وهذا من الكذب المفترى باتفاق أهل العلم ولم يكن شيخهم يقول هذا بل هذه بدعة أحدثها بعض أصحابه بعد موته وإذا قيل لواحد منهم : ألا تقطع قال : إن الله قادر على أن يغير هذه [ ص: 681 ] الفرس فيظن أنه إذا قال قطعا أنه نفي لقدرة الله على تغيير ذلك وهذا جهل فإن هذه الفرس فرس قطعا في هذه الحال والله قادر على أن يغيرها . وأصل " شبهة هؤلاء " أن السلف كانوا يستثنون في الإيمان فيقول أحدهم : أنا مؤمن - إن شاء الله - وكانت ثغور الشام : مثل عسقلان قد سكنها nindex.php?page=showalam&ids=14906محمد بن يوسف الفريابي - شيخ البخاري - وهو صاحب الثوري وكان شديدا على المرجئة وكان يرى " الاستثناء في الإيمان " كشيخه الثوري وغيره من السلف .
والناس لهم في الاستثناء " ثلاثة أقوال " : منهم من يحرمه كطائفة من الحنفية ويقولون من يستثني فهو شكاك . ومنهم من يوجبه : كطائفة من أهل الحديث . ومنهم من يجوزه - أو يستحبه - وهذا أعدل الأقوال فإن الاستثناء له وجه صحيح فمن قال : أنا مؤمن إن شاء الله وهو يعتقد أن الإيمان فعل جميع الواجبات ويخاف أن لا يكون قائما بها فقد أحسن ولهذا كان الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم قال ابن أبي مليكة : أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ومن اعتقد أن المؤمن المطلق هو الذي يستحق الجنة ; فاستثنى خوفا من سوء الخاتمة فقد أصاب وهذا معنى ما يروى عن ابن مسعود أنه قيل له : عن رجل أنت مؤمن ؟ [ ص: 682 ] فقال : نعم فقيل له أنت من أهل الجنة فقال أرجو فقال : هلا وكل الأولى كما وكل الثانية ومن استثنى خوفا من تزكية نفسه أو مدحها أو تعليق الأمور بمشيئة الله فقد أحسن ومن جزم بما يعلمه أيضا في نفسه من التصديق فهو مصيب .
( الثاني أن الحديث لو كان حقا فمعناه أنه لا يغفر لمن لم يتب منه فإنه لا ذنب أعظم من الشرك والمشرك إذا تاب غفر الله له شركه باتفاق المسلمين كما قال تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } وفي الأخرى { فإخوانكم في الدين } ومعلوم أن الكافر الحربي إذا سب الأنبياء ثم تاب تاب الله عليه بالإجماع فإنه كان مستحلا لذلك وكذلك الرافضي هو يستحل سب الصحابة فإذا تبين له أنه حرام واستغفر لهم بدل ما كان منه بدل الله سيئاته بالحسنات وكان حق الآدمي في ذلك تبعا لحق الله ; لأنه مستحل [ ص: 684 ] لذلك ولو قدر أنه حق لآدمي لكان بمنزلة من تاب من القذف والغيبة وهذا في أظهر قولي العلماء لا يشترط في توبته تحلله من المظلوم بل يكفي أن يحسن إليه في المغيب ; ليهدم هذا بهذا . ومن البدع المنكرةتكفير الطائفة غيرها من طوائف المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم كما يقولون : هذا زرع البدعي ونحو ذلك فإن هذا عظيم لوجهين : ( أحدهما أن تلك الطائفة الأخرى قد لا يكون فيها من البدعة أعظم مما في الطائفة المكفرة لها ; بل تكون بدعة المكفرة أغلظ أو نحوها أو دونها وهذا حال عامة أهل البدع الذين يكفر بعضهم بعضا فإنه إن قدر أن المبتدع يكفر كفر هؤلاء وهؤلاء وإن قدر أنه لم يكفر لم يكفر هؤلاء ولا هؤلاء فكون إحدى الطائفتين تكفر الأخرى ولا تكفر طائفتها هو من الجهل والظلم وهؤلاء من الذين قال الله تعالى فيهم : { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء } . ( والثاني : أنه لو فرض أن إحدى الطائفتين مختصة بالبدعة لم يكن لأهل السنة أن يكفروا كل من قال قولا أخطأ فيه فإن الله سبحانه قال : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وثبت في الصحيح { nindex.php?page=hadith&LINKID=596481أن الله قال : قد فعلت } وقال تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 685 ] أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9117إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان } وهو حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره . وأجمع الصحابة وسائر أئمة المسلمين على أنه ليس كل من قال قولا أخطأ فيه أنه يكفر بذلك وإن كان قوله مخالفا للسنة فتكفير كل مخطئ خلاف الإجماع ; لكن للناس نزاع في مسائل التكفير قد بسطت في غير هذا الموضوع .