[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سئل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - قدس الله روحه ما تقولون في " المنطق " وهل من قال إنه فرض كفاية مصيب أم مخطئ ؟ .
فأجاب : الحمد لله : أما المنطق : فمن قال : إنه فرض كفاية وإن من ليس له به خبرة فليس له ثقة بشيء من علومه فهذا القول في غاية الفساد من وجوه [ ص: 6 ] كثيرة التعداد مشتمل على أمور فاسدة ودعاوى باطلة كثيرة لا يتسع هذا الموضع لاستقصائها .
بل الواقع قديما وحديثا : أنك لا تجد من يلزم نفسه أن ينظر في علومه به ويناظر به إلا وهو فاسد النظر والمناظرة كثير العجز عن تحقيق علمه وبيانه .
فأحسن ما يحمل عليه كلام المتكلم في هذا : أن يكون قد كان هو وأمثاله في غاية الجهالة والضلالة وقد فقدوا أسباب الهدى كلها فلم يجدوا ما يردهم عن تلك الجهالات إلا بعض ما في المنطق من الأمور التي هي صحيحة فإنه بسبب بعض ذلك رجع كثير من هؤلاء عن بعض باطلهم وإن لم يحصل لهم حق ينفعهم وإن وقعوا في باطل آخر . ومع هذا فلا يصح نسبة وجوبه إلى شريعة الإسلام بوجه من الوجوه . إذ من هذه حاله فإنما أتى من نفسه بترك ما أمر الله به من الحق حتى احتاج إلى الباطل .
ومن المعلوم : أن القول بوجوبه قول غلاته وجهال أصحابه . ونفس الحذاق منهم لا يلتزمون قوانينه في كل علومهم بل يعرضون عنها . إما لطولها وإما لعدم فائدتها وإما لفسادها وإما لعدم تميزها وما فيها من الإجمال والاشتباه . فإن فيه مواضع كثيرة هي لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل .
[ ص: 7 ] ولهذا ما زال علماء المسلمين وأئمة الدين يذمونه ويذمون أهله وينهون عنه وعن أهله حتى رأيت للمتأخرين فتيا فيها خطوط جماعة من أعيان زمانهم من أئمة الشافعية والحنفية وغيرهم فيها كلام عظيم في تحريمه وعقوبة أهله حتى إن من الحكايات المشهورة التي بلغتنا : أن الشيخ أبا عمرو بن الصلاح أمر بانتزاع مدرسة معروفة من أبي الحسن الآمدي وقال : أخذها منه أفضل من أخذ عكا . مع أن الآمدي لم يكن أحد في وقته أكثر تبحرا في العلوم الكلامية والفلسفية منه وكان من أحسنهم إسلاما وأمثلهم اعتقادا .
فإذا تقلدوا عن طواغيتهم أن كل ما لم يحصل بهذه الطريق القياسية فليس بعلم وقد لا يحصل لكثير منهم من هذه الطريق القياسية ما يستفيد [ ص: 8 ] به الإيمان الواجب فيكون كافرا زنديقا منافقا جاهلا ضالا مضلا ظلوما كفورا ويكون من أكابر أعداء الرسل الذين قال الله فيهم : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا } .
فلهؤلاء من عجائب الجهل والظلم والكذب والكفر والنفاق والضلال ما لا يتسع لذكره المقام .
ولهذا لما تفطن كثير منهم لما في هذا النفي من الجهل والضلال صاروا يقولون : النفوس القدسية - كنفوس الأنبياء والأولياء - تفيض عليها المعارف بدون الطريق القياسية .
وهم متفقون جميعهم على أن من النفوس من تستغني عن وزن علومها [ ص: 9 ] بالموازين الصناعية في المنطق لكن قد يقولون : هو حكيم بالطبع .
والقياس ينعقد في نفسه بدون تعلم هذه الصناعة كما ينطق العربي بالعربية بدون النحو ; وكما يقرض الشاعر الشعر بدون معرفة العروض . لكن استغناء بعض الناس عن هذه الموازين لا يوجب استغناء الآخرين . فاستغناء كثير من النفوس عن هذه الصناعة لا ينازع فيه أحد منهم .
والكلام هنا : هل تستغني النفوس في علومها بالكلية عن نفس القياس المذكور ومواده المعينة . فالاستغناء عن جنس هذا القياس شيء وعن الصناعة القانونية التي يوزن بها القياس شيء آخر . فإنهم يزعمون " أنه آلة قانونية تمنع مراعاتها الذهن أن يزل في فكره " وفساد هذا مبسوط مذكور في موضع غير هذا .
ونحن بعد أن تبينا عدم فائدته وإن كان قد يتضمن من العلم ما يحصل بدونه ثم تبينا أنا لو قدرنا أنه قد يفيد بعض الناس من العلم ما يفيده هو فلا يجوز أن يقال : ليس إلى ذلك العلم لذلك الشخص ولسائر بني آدم طريق إلا بمثل القياس المنطقي . فإن هذا قول بلا علم . وهو كذب محقق . ولهذا ما زال متكلمو المسلمين - وإن كان فيهم نوع من البدعة - لهم من الرد عليه وعلى أهله وبيان الاستغناء عنه وحصول الضرر والجهل به والكفر ما [ ص: 10 ] ليس هذا موضعه ; دع غيرهم من طوائف المسلمين وعلمائهم وأئمتهم كما ذكره القاضي أبو بكر بن الباقلاني في كتاب " الدقائق " .
فأما الشعري - وهو ما يفيد مجرد التخييل وتحريك النفس - وذلك يظهر بأنهم جعلوا الأقيسة خمسة : البرهاني والخطابي والجدلي والشعري والمغلطي السوفسطائي . وهو ما يشبه الحق وهو باطل وهو الحكمة المموهة - فلا غرض لنا فيه هنا ولكن غرضنا تلك الثلاثة .
قالوا : " الجدلي " ما سلم المخاطب مقدماته و " الخطابي " ما كانت مقدماته مشهورة بين الناس و " البرهاني " ما كانت مقدماته معلومة .
وكثير من المقدمات تكون - مع كونها خطابية أو جدلية - يقينية برهانية بل وكذلك مع كونها شعرية ولكن هي من جهة التيقن بها : تسمى برهانية ومن جهة شهرتها عند عموم الناس وقبولهم لها : تسمى خطابية ومن جهة تسليم الشخص المعين لها : تسمى جدلية .
وهذا كلام أولئك المبتدعة من الصابئة الذين لم يذكروا النبوات ولا تعرضوا لها بنفي ولا إثبات . وعدم التصديق للرسل واتباعهم كفر وضلال . وإن لم يعتقد تكذيبهم فالكفر والضلال أعم من التكذيب .
[ ص: 11 ] وأما قول بعض المتأخرين في المشهورات : هي المقبولات لكون صاحبها مؤيدا بأمر يوجب قبول قوله ونحو ذلك - فهذه من الزيادات التي ألزمتهم إياها الحجة ورأوا وجوب قبولها على طريقة الأولين . ولهذا كان غالب صابئة المتأخرين الذين هم الفلاسفة ممتزجين بالحنيفية كما أن غالب من دخل في الفلسفة من الحنفاء مزج الحنيفية بالصبء ولبس الحق بالباطل أعني بالصبء المبتدع الذي ليس فيه إيمان بل بالنبوات كصبء صاحب المنطق وأتباعه .
وأما الصبء القديم فذاك أصحابه : منهم المؤمنون بالله واليوم الآخر الذين آمنوا وعملوا الصالحات . فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون كما أن التهود والتنصر منه ما أهله مبتدعون ضلال قبل إرسال محمد صلى الله عليه وسلم ومنه ما كان أهله متبعين للحق . وهم الذين آمنوا بالله واليوم والآخر وعملوا الصالحات فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
ومن قال من العلماء المصنفين في المنطق : إن القياس الخطابي هو ما يفيد الظن كما أن البرهاني ما يفيد العلم : فلم يعرف مقصود القوم ; ولا قال حقا . فإن كل واحد من الخطابي والجدلي قد يفيد الظن كما أن البرهاني قد تكون مقدماته مشهورة ومسلمة .
فالتقسيم لمواد القياس وقع باعتبار الجهات التي يقبل منها ; فتارة يقبل [ ص: 12 ] القول لأنه معلوم ; إذ العلم يوجب القبول . وأما كونه لا يفيد العلم فلا يوجب قبوله إلا لسبب . فإن كان لشهرته : فهو خطابي ولو لم يفد علما ولا ظنا . وهو أيضا خطابي إذا كانت قضيته مشهورة وإن أفاد علما أو ظنا . والقول في الجدلي كذلك .
ثم إنهم قد يمثلون المشهورات المقبولات التي ليست علمية بقولنا " العلم حسن والجهل قبيح والعدل حسن والظلم قبيح " ونحو ذلك من الأحكام العملية العقلية التي يثبتها من يقول بالتحسين والتقبيح ويزعمون أنا إذا رجعنا إلى محض العقل لم نجد فيه حكما بذلك . وقد يمثلونها بأن الموجود لا بد أن يكون مباينا للموجود الآخر أو محايثا له أو أن الموجود لا بد أن يكون بجهة من الجهات . أو يكون جائز الرؤية ويزعمون : أن هذا من أحكام الوهم لا الفطرة العقلية .
قالوا : لأن العقل يسلم مقدمات يعلم بها فساد الحكم الأول .
وهذا كله تخليط ظاهر لمن تدبره .
فأما تلك القضايا التي سموها مشهورات غير معلومة فهي من العلوم العقلية البديهية التي جزم العقول بها أعظم من جزمها بكثير من العلوم الحسابية والطبيعية وهي كما قال أكثر المتكلمين من أهل الإسلام بل أكثر متكلمي أهل الأرض من جميع الطوائف : أنها قضايا بديهية عقلية ; لكن [ ص: 13 ] قد لا يحسنون تفسير ذلك . فإن حسن ذلك وقبحه هو حسن الأفعال وقبحها وحسن الفعل هو كونه مقتضيا لما يطلبه الحي لذاته ويريده من المقاصد وقبحه بالعكس . والأمر كذلك .
فإن العلم والصدق والعدل هي كذلك محصلة لما يطلب لذاته ويراد لنفسه من المقاصد فحسن الفعل وقبحه هو لكونه محصلا للمقصود المراد بذاته أو منافيا لذلك .
ولهذا كان الحق يطلق تارة بمعنى النفي والإثبات فيقال : هذا حق أي ثابت وهذا باطل أي منتف ; وفي الأفعال : بمعنى التحصيل للمقصود فيقال : هذا الفعل حق ; أي نافع ; أو محصل للمقصود ويقال : باطل أي لا فائدة فيه ونحو ذلك وأما زعمهم : أن البديهة والفطرة قد تحكم بما يتبين لها بالقياس فساده : فهذا غلط ; لأنالقياس لا بد له من مقدمات بديهية فطرية فإن جوز أن تكون المقدمات الفطرية البديهية غلطا من غير تبيين غلطها إلا بالقياس لكان قد تعارضت المقدمات الفطرية بنفسها ومقتضى القياس الذي مقدماته فطرية . فليس رد هذه المقدمات الفطرية لأجل تلك بأولى من العكس بل الغلط فيما تقل مقدماته أولى فما يعلم بالقياس وبمقدمات فطرية أقرب إلى الغلط مما يعلم بمجرد الفطرة .
[ ص: 14 ] وهذا يذكرونه في نفي علو الله على العرش ونحو ذلك من أباطيلهم .
والمقصود هنا : أن متقدميهم لم يذكروا المقدمات المتلقاة من الأنبياء ولكن المتأخرون رتبوه على ذلك : إما بطريق الصابئة الذين لبسوا الحنيفية بالصابئة : nindex.php?page=showalam&ids=13251كابن سينا ونحوه وإما بطريق المتكلمين الذين أحسنوا الظن بما ذكره المنطقيون وقرروا إثبات العلم بموجب النبوآت به .
أما الأول : فإنه جعل علوم الأنبياء من العلوم الحدسية لقوة صفاء تلك النفوس القدسية وطهارتها وأن قوى النفوس في الحدس لا تقف عند حد . ولا بد للعالم من نظام ينصبه حكيم فيعطي النفوس المؤيدة من القوة ما تعلم به ما لا يعلمه غيرها بطريق الحدس ويتمثل لها ما تسمعه وتراه في نفسها من الكلام ومن الملائكة ما لا يسمعه غيرها ويكون لها من القوة العملية التي تطيعها بها هيولى العالم ما ليس لغيرها فهذه الخوارق في قوى العلم مع السمع والبصر وقوة العمل والقدرة : هي النبوة عندهم .
ومعلوم أن الحدس راجع إلى قياس التمثيل كما تقدم . وأما ما يسمع ويرى في نفسه فهو من جنس الرؤيا وهذا القدر يحصل مثله لكثير من عوام الناس وكفارهم فضلا عن أولياء الله وأنبيائه . فكيف يجعل ذلك هو غاية النبوة ؟ وإن كان الذي يثبتونه للأنبياء أكمل وأشرف فهو كملك أقوى من ملك . ولهذا صاروا يقولون : النبوة مكتسبة ولم يثبتوا نزول [ ص: 15 ] ملائكة من عند الله إلى من يختاره ويصطفيه من عباده . ولا قصد إلى تكليم شخص معين من رسله ; كما يذكر عن بعض قدمائهم أنه قال لموسى بن عمران : أنا أصدقك في كل شيء إلا في أن علة العلل كلمك ما أقدر أن أصدقك في هذا . ولهذا صار من ضل بمثل هذا الكلام يدعي مساواة الأنبياء والمرسلين أو التقدم عليهم ; وهذا كثير في كثير من الناس الذين يعتقدون في أنفسهم أنهم أكمل النوع وهم من أجهل الناس وأظلمهم وأكفرهم وأعظمهم نفاقا .
وأما المتكلمون المنطقيون فيقولون : يعلم بهذا القياس ثبوت الصانع وقدرته وجواز إرسال الرسل ; وتأييد الله لهم بما يوجب تصديقهم فيما يقولونه وهذه الطريقة أقرب إلى طريقة العلماء المؤمنين ; وإن كان قد يكون فيها أنواع من الباطل : تارة من جهة ما تقلدوه عن المنطقيين ; وتارة من جهة ما ابتدعوه هم مما ليس هذا موضعه .
ومنطقية اليهود والنصارى كذلك ; لكن الهدى والعلم والبيان في فلاسفة المسلمين ومتكلميهم أعظم منه في أهل الكتابين ; لما في تينك الملتين من الفساد .
ولكن الغرض تقرير جنس النبوات . فإن أهل الملل متفقون عليها لكن اليهود والنصارى آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض . والصابئة الفلاسفة ونحوهم آمنوا ببعض صفات الرسالة دون بعض . فإذا اتفق متفلسف من أهل [ ص: 16 ] الكتاب جمع الكفرين : الكفر بخاتم المرسلين . والكفر بحقائق صفات الرسالة في جميع المرسلين فهذا هذا .
وكذلك العلوم الكلية البديهية قد علمتم أنها ليس لها حد في بني آدم فمن أين لكم أن بعض النفوس يكون لها من العلوم البديهية ما يختص بها وحدها أو بها وبأمثالها ما لا يكون من البديهيات عندكم ؟ وإذا كان هذا ممكنا - وعامة أهل الأرض على أنه واقع لغير الأنبياء - دع الأنبياء - فمثل هذه العلوم ليس في منطقكم طريق إليها إذ ليست من المشهورات ولا الجدليات ولا موادها عندكم يقينية وأنتم لا تعلمون نفيها وجمهور أهل الأرض من الأولين والآخرين على إثباتها . فإن كذبتم بها كنتم - مع الكفر والتكذيب بالحق وخسارة الدنيا والآخرة - تاركين لمنطقكم أيضا وخارجين عما أوجبتموه على أنفسكم : أنكم لا تقولون إلا بموجب القياس إذ ليس لكم بهذا النفي قياس [ ص: 17 ] ولا حجة تذكر . ولهذا لم تذكروا عليه حجة وإنما اندرج هذا النفي في كلامكم بغير حجة .
وإن قلتم : بل هي حق اعترفتم بأن من الحق ما لا يوزن بميزان منطقكم . وإن قلتم : لا ندري أحق هي أم باطل ؟ اعترفتم بأن أعظم المطالب وأجلها لا يوزن بميزان المنطق .
فإن صدقتم لم يوافقكم المنطق . وإن كذبتم لم يوافقكم المنطق . وإن ارتبتم لم ينفعكم المنطق . ومن المعلوم : أن موازين الأموال لا يقصد أن يوزن بها الحطب والرصاص دون الذهب والفضة . وأمر النبوات وما جاءت به الرسل أعظم في العلوم من الذهب في الأموال . فإذا لم يكن في منطقكم ميزان له كان الميزان - مع أنه ميزان - عائلا جائرا وهو أيضا عاجز . فهو ميزان جاهل ظالم إذ هو إما أن يرد الحق ويدفعه فيكون ظالما أو لا يزنه ولا يبين أمره فيكون جاهلا أو يجتمع فيه الأمران فيرد الحق ويدفعه - وهو الحق الذي ليس للنفوس عنه عوض ولا لها عنه مندوحة وليست سعادتها إلا فيه ولا هلاكها إلا بتركه - فكيف يستقيم - مع هذا - أن تقولوا : إنه وما وزنتموه به من المتاع الخسيس الذي أنتم في وزنكم إياه به ظالمون عائلون لم تزنوا بالقسطاس المستقيم ولم تستدلوا بالآيات البينات : هو [ معيار ] العلوم الحقيقية والحكمة اليقينية [ ص: 18 ] التي فاز بالسعادة عالمها وخاب بالشقاوة جاهلها ورأس مال السادة وغاية العالم المنصف منكم : أن يعترف بعجز ميزانكم عنه .
وأما عوام علمائكم فيكذبون به ويردونه وإن كان منطقكم يرد عليهم فلستم بتحريف أمر منطقكم أحسن حالا من اليهود والنصارى في تحريف كتاب الله الذي هو في الأصل حق هاد ; لا ريب فيه .
فهذا هذا ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأيضا هم متفقون على أنه لا يفيد إلا أمورا كلية مقدرة في الذهن لا يفيد العلم بشيء موجود محقق في الخارج إلا بتوسط شيء آخر غيره . والأمور الكلية الذهنية ليست هي الحقائق الخارجية ولا هي أيضا علما بالحقائق الخارجية إذ لكل موجود حقيقة يتميز بها عن غيره هو بها هو وتلك ليست كلية فالعلم بالأمر المشترك لا يكون علما بها فلا يكون في القياس المنطقي علم تحقيق شيء من الأشياء وهو المطلوب .
والمقصود : أن ذكر كلام السهروردي هذا على قياس ضربه وهو أن يقال : السماء محدثة قياسا على البيت بجامع ما يشتركان فيه من التأليف فيحتاج أن يثبت أن علة حدوث البناء هو التأليف وأنه موجود في الفرع .
والتحقيق : أن " قياس التمثيل " أبلغ في إفادة العلم واليقين من " قياس الشمول " وإن كان علم قياس الشمول أكثر فذاك أكبر فقياس التمثيل في القياس العقلي كالبصر في العلم الحسي وقياس الشمول : كالسمع في العلم الحسي . ولا ريب أن البصر أعظم وأكمل والسمع أوسع وأشمل فقياس التمثيل : بمنزلة البصر كما قيل : من قاس ما لم يره بما رأى . وقياس الشمول يشابه السمع من جهة العموم .
ثم إن كل واحد من القياسين - في كونه علميا أو ظنيا - يتبع مقدماته [ ص: 20 ] فقياس التمثيل في الحسيات وكل شيء : إذا علمنا أن هذا مثل هذا علمنا أن حكمه حكمه وإن لم نعلم علة الحكم وإن علمنا علة الحكم استدللنا بثبوتها على ثبوت الحكم فبكل واحد من العلم بقياس التمثيل وقياس التعليل يعلم الحكم .
وقياس التعليل : هو في الحقيقة من نوع قياس الشمول لكنه امتاز عنه بأن الحد الأوسط - الذي هو الدليل فيه - هو علة الحكم ويسمى قياس العلة وبرهان العلة . وذلك يسمى قياس الدلالة وبرهان الدلالة وإن لم نعلم التماثل والعلة بل ظنناها ظنا كان الحكم كذلك .
وهكذا الأمر في قياس الشمول : إن كانت المقدمتان معلومتين كانت النتيجة معلومة وإلا فالنتيجة تتبع أضعف المقدمات .
فأما دعواهم : أن هذا لا يفيد العلم فهو غلط محض محسوس بل عامة علوم بني آدم العقلية المحضة [ هي ] من قياس التمثيل .
وأيضا فإن علومهم التي جعلوا هذه الصناعة ميزانا لها بالقصد الأول : لا يكاد ينتفع بهذه الصناعة المنطقية في هذه العلوم إلا قليلا . فإن العلوم الرياضية : من حساب العدد وحساب المقدار الذهني والخارجي قد علم أن الخائضين فيها من الأولين والآخرين مستقلون بها من غير التفات إلى هذه [ ص: 21 ] الصناعة المنطقية واصطلاح أهلها . وكذلك ما يصح من العلوم الطبيعية الكلية والطبية تجد الحاذقين فيها لم يستعينوا عليها بشيء من صناعة المنطق بل إمام صناعة الطب بقراط : له فيها من الكلام الذي تلقاه أهل الطب بالقبول ووجدوا مصداقه بالتجارب وله فيها من القضايا الكلية التي هي عند عقلاء بني آدم من أعظم الأمور ومع هذا فليس هو مستعينا بشيء من هذه الصناعة بل كان قبل واضعها . وهم وإن كان العلم الطبيعي عندهم أعلم وأعلى من علم الطب فلا ريب أنه متصل به . فبالعلم بطبائع الأجسام المعينة المحسوسة تعلم طبائع سائر الأجسام ومبدأ الحركة والسكون الذي في الجسم . ويستدل بالجزء على الكل ولهذا كثيرا ما يتناظرون في مسائل ويتنازع فيها هؤلاء وهؤلاء كتناظر الفقهاء والمتكلمين في مسائل كثيرة تتفق فيها الصناعتان وأولئك يدعون عموم النظر ولكن الخطأ والغلط عند المتكلمين والمتفلسفة أكثر مما هو عند الفقهاء والأطباء وكلامهم وعلمهم أنفع وأولئك أكثر ضلالا وأقل نفعا لأنهم طلبوا بالقياس ما لا يعلم بالقياس وزاحموا الفطرة والنبوة مزاحمة أوجبت من مخالفتهم للفطرة والنبوة ما صاروا به من شياطين الإنس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا بخلاف الطب المحض فإنه علم نافع وكذلك الفقه المحض .
وأما علم ما بعد الطبيعة - وإن كانوا يعظمونه ويقولون : هو الفلسفة الأولى وهو العلم الكلي الناظر في الوجود ولواحقه ويسميه متأخروهم العلم [ ص: 22 ] الإلهي وزعم المعلم الأول لهم : أنه غاية فلسفتهم ونهاية حكمتهم - فالحق فيه من المسائل قليل نزر وغالبه علم بأحكام ذهنية لا حقائق خارجية . وليس على أكثره قياس منطقي . فإن الوجود المجرد والوجوب والإمكان والعلة المجردة والمعلول وانقسام ذلك إلى جزء الماهية وهو المادة والصورة ; وإلى علتي وجودها . وهما الفاعل والغاية ; والكلام في انقسام الوجود إلى الجواهر والأعراض التسعة ; التي هي : الكم والكيف والإضافة والأين ومتى والوضع والملك ; وأن يفعل وأن ينفعل ; كما أنشد بعضهم فيها :
زيد الطويل الأسود بن مالك في داره بالأمس كان يتكي في يده سيف نضاه فانتضى فهذه عشر مقولات سواء
ليس عليها ولا على أقسامها قياس منطقي ; بل غالبها مجرد استقراء قد نوزع صاحبه في كثير منه .
فإذا كانت صناعتهم بين علوم لا يحتاج فيها إلى القياس المنطقي . وبين ما لا يمكنهم أن يستعملوا فيه القياس المنطقي : كان عديم الفائدة في علومهم بل كان فيه من شغل القلب عن العلوم والأعمال النافعة ما ضر كثيرا من الناس [ ص: 23 ] كما سد على كثير منهم طريق العلم وأوقعهم في أودية الضلال والجهل فما الظن بغير علومهم من العلوم التي لا تحد للأولين والآخرين .
وأيضا لا تجد أحدا من أهل الأرض حقق علما من العلوم وصار إماما فيه مستعينا بصناعة المنطق لا من العلوم الدينية ولا غيرها فالأطباء والحساب والكتاب ونحوهم يحققون ما يحققون من علومهم وصناعاتهم بغير صناعة المنطق .
وقد صنف في الإسلام علوم النحو واللغة والعروض والفقه وأصوله والكلام وغير ذلك . وليس في أئمة هذه الفنون من كان يلتفت إلى المنطق بل عامتهم كانوا قبل أن يعرب هذا المنطق اليوناني .
وأما العلوم الموروثة عن الأنبياء صرفا وإن كان الفقه وأصوله متصلا بذلك فهي أجل وأعظم من أن يظن أن لأهلها التفات إلى المنطق إذ ليس في القرون الثلاثة من هذه الأمة - التي هي خير أمة أخرجت للناس - وأفضلها القرون الثلاثة : من كان يلتفت إلى المنطق أو يعرج عليه مع أنهم في تحقيق العلوم وكمالها بالغاية التي لا يدرك أحد شأوها كانوا أعمق الناس علما وأقلهم تكلفا وأبرهم قلوبا . ولا يوجد لغيرهم كلام فيما تكلموا فيه إلا وجدت بين الكلامين من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق بل الذي وجدناه بالاستقراء أن من المعلوم : أن من الخائضين في العلوم من أهل هذه [ ص: 24 ] الصناعة أكثر الناس شكا واضطرابا وأقلهم علما وتحقيقا وأبعدهم عن تحقيق علم موزون وإن كان فيهم من قد يحقق شيئا من العلم . فذلك لصحة المادة والأدلة التي ينظر فيها وصحة ذهنه وإدراكه لا لأجل المنطق . بل إدخال صناعة المنطق في العلوم الصحيحة يطول العبارة ويبعد الإشارة ويجعل القريب من العلم بعيدا واليسير منه عسيرا . ولهذا تجد من أدخله في الخلاف والكلام وأصول الفقه وغير ذلك لم يفد إلا كثرة الكلام والتشقيق ; مع قلة العلم والتحقيق .
فعلم أنه من أعظم حشو الكلام وأبعد الأشياء عن طريقة ذوي الأحلام .
نعم لا ينكر أن في المنطق ما قد يستفيد ببعضه من كان في كفر وضلال وتقليد ممن نشأ بينهم من الجهال كعوام النصارى واليهود والرافضة ونحوهم فأورثهم المنطق ترك ما عليه أولئك من تلك العقائد . ولكن يصير غالب هؤلاء مداهنين لعوامهم مضلين لهم عن سبيل الله أو يصيرون منافقين زنادقة لا يقرون بحق ولا بباطل بل يتركون الحق كما تركوا الباطل .
فأذكياء طوائف الضلال إما مضللون مداهنون وإما زنادقة منافقون لا يكاد يخلو أحد منهم عن هذين [ ص: 25 ] فأما أن يكون المنطق وقفهم على حق يهتدون به : فهذا لا يقع بالمنطق .
ففي الجملة : ما يحصل به لبعض الناس من شحذ ذهن أو رجوع عن باطل أو تعبير عن حق : فإنما هو لكونه كان في أسوأ حال لا لما في صناعة المنطق من الكمال .
ومن المعلوم : أن المشرك إذا تمجس والمجوسي إذا تهود : حسنت حاله بالنسبة إلى ما كان فيه قبل ذلك . لكن لا يصلح أن يجعل ذلك عمدة لأهل الحق المبين .
وهذا ليس مختصا به . بل هذا شأن كل من نظر في الأمور التي فيها دقة ولها نوع إحاطة كما تجد ذلك في علم النحو . فإنه من المعلوم أن لأهله من التحقيق والتدقيق والتقسيم والتحديد ما ليس لأهل المنطق وأن أهله يتكلمون في صورة المعاني المعقولة على أكمل القواعد . فالمعاني فطرية عقلية لا تحتاج إلى وضع خاص بخلاف قوالبها التي هي الألفاظ فإنها تتنوع فمتى تعلموا أكمل الصور والقوالب للمعاني مع الفطرة الصحيحة كان ذلك أكمل وأنفع وأعون على تحقيق العلوم من صناعة اصطلاحية في أمور فطرية عقلية لا يحتاج فيها إلى اصطلاح خاص .
هذا لعمري عن منفعته في سائر العلوم .
[ ص: 26 ] وأما منفعته في علم الإسلام خصوصا : فهذا أبين من أن يحتاج إلى بيان ولهذا تجد الذين اتصلت إليهم علوم الأوائل فصاغوها بالصيغة العربية بعقول المسلمين جاء فيها من الكمال والتحقيق والإحاطة والاختصار ما لا يوجد في كلام الأوائل وإن كان في هؤلاء المتأخرين من فيه نفاق وضلال لكن عادت عليهم في الجملة بركة ما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم وما أوتيته أمته من العلم والبيان الذي لم يشركها فيه أحد ، وأيضا فإن صناعة المنطق وضعها معلمهم الأول : أرسطو صاحب التعاليم التي لمبتدعة الصابئة يزن بها ما كان هو وأمثاله يتكلمون فيه من حكمتهم وفلسفتهم التي هي غاية كمالهم . وهي قسمان : نظرية وعملية .
فأصح النظرية - وهي المدخل إلى الحق - هي الأمور الحسابية الرياضية . وأما العملية : فإصلاح الخلق والمنزل والمدينة . ولا ريب أن في ذلك من نوع العلوم والأعمال الذي يتميزون بها عن جهال بني آدم الذين ليس لهم كتاب منزل ولا نبي مرسل ما يستحقون به التقدم على ذلك . وفيه من منفعة صلاح الدنيا وعمارتها ما هو داخل في ضمن ما جاءت به الرسل .
وفيها أيضا من قول الحق واتباعه والأمر بالعدل والنهي عن الفساد : ما هو داخل في ضمن ما جاءت به الرسل .
[ ص: 27 ] فهم بالنسبة إلى جهال الأمم كبادية الترك ونحوهم أمثل إذا خلوا عن ضلالهم فأما مع ضلالهم فقد يكون الباقون على الفطرة من جهال بني آدم أمثل منهم .
فأما أضل أهل الملل - مثل جهال النصارى وسامرة اليهود - فهم أعلم منهم وأهدى وأحكم وأتبع للحق . وهذا قد بسطته بسطا كثيرا في غير هذا الموضع .
وإنما المقصود هنا : بيان أن هذه الصناعة قليلة المنفعة عظيمة الحشو .
وذلك أن الأمور العملية الخلقية قل أن ينتفع فيها بصناعة المنطق . إذ القضايا الكلية الموجبة - وإن كانت توجد في الأمور العملية - لكن أهل السياسة لنفوسهم ولأهلهم ولملكهم إنما ينالون تلك الآراء الكلية من أمور لا يحتاجون فيها إلى المنطق ومتى حصل ذلك الرأي كان الانتفاع به بالعمل .
ثم الأمور العملية لا تقف على رأي كلي بل متى علم الإنسان انتفاعه بعمل عمله وأي عمل تضرر به تركه . وهذا قد يعلمه بالحس الظاهر أو الباطن لا يقف ذلك على رأي كلي .
فعلم أن أكثر الأمور العملية لا يصح استعمال المنطق فيها . ولهذا كان [ ص: 28 ] المؤدبون لنفوسهم ولأهلهم السائسون لملكهم لا يزنون آراءهم بالصناعة المنطقية إلا أن يكون شيئا يسيرا والغالب على من يسلكه : التوقف والتعطيل .
وهذا في القرآن في مواضع أخر : يبين فيها أن الرسل كلهم أمروا بالتوحيد بعبادة الله وحده لا شريك له ونهوا عن عبادة شيء من المخلوقات سواه أو اتخاذه إلها ; ويخبر أن أهل السعادة هم أهل التوحيد وأن المشركين هم أهل الشقاوة . وذكر هذا عن عامة الرسل ويبين أن الذين لم يؤمنوا بالرسل مشركون .
فذكر أن المؤمنين بالله وباليوم الآخر من هؤلاء هم أهل النجاة والسعادة وذكر في تلك الآية الإيمان بالرسل وفي هذه الإيمان باليوم الآخر لأنهما [ ص: 32 ] متلازمان وكذلك الإيمان بالرسل كلهم متلازم . فمن آمن بواحد منهم فقد آمن بهم كلهم ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بهم كلهم كما قال تعالى : { إن الذين يكفرون بالله ورسله } - إلى قوله - { أولئك هم الكافرون حقا } الآية والتي بعدها . فأخبر أن المؤمنين بجميع الرسل هم أهل السعادة وأن المفرقين بينهم بالإيمان ببعضهم دون بعض هم الكافرون حقا .
فأخبر أن جميع الأنبياء لهم أعداء وهم شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض القول المزخرف وهو المزين المحسن يغررون به . والغرور : هو التلبيس والتمويه . وهذا شأن كل كلام وكل عمل يخالف ما جاءت به الرسل من أمر المتفلسفة والمتكلمة وغيرهم من الأولين والآخرين ثم قال : { ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه } فأخبر أن كلام أعداء الرسل تصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة .
فقد تبين أن أصل السعادة وأصل النجاة من العذاب هو توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له والإيمان برسله واليوم الآخر والعمل الصالح .
وهذه الأمور ليست في حكمتهم وفلسفتهم المبتدعة ليس فيها الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن عبادة المخلوقات . بل كل شرك في العالم إنما حدث برأي جنسهم إذ بنوه على ما في الأرواح والأجسام من القوى والطبائع وإن صناعة الطلاسم والأصنام والتعبد لها يورث منافع ويدفع مضار . فهم الآمرون بالشرك والفاعلون له . ومن لم يأمر بالشرك منهم فلم ينه عنه بل يقر هؤلاء وهؤلاء وإن رجح الموحدون ترجيحا ما . فقد يرجح غيره المشركين . وقد يعرض عن الأمرين جميعا . فتدبر هذا فإنه نافع جدا .
ولهذا كان رءوسهم المتقدمون والمتأخرون يأمرون بالشرك . فالأولون يسمون الكواكب الآلهة الصغرى ويعبدونها بأصناف العبادات . كذلك كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك ويوجبون التوحيد ; بل يسوغون الشرك أو يأمرون به أو لا يوجبون التوحيد .
وهم إذا ادعوا التوحيد فإنما توحيدهم بالقول ; لا بالعبادة والعمل . والتوحيد الذي جاءت به الرسل لا بد فيه من التوحيد بإخلاص الدين لله . وعبادته وحده لا شريك له . وهذا شيء لا يعرفونه . والتوحيد الذي يدعونه : إنما هو تعطيل حقائق الأسماء والصفات وفيه من الكفر والضلال ما هو من أعظم أسباب الإشراك .
فلو كانوا موحدين بالقول والكلام - وهو أن يصفوا الله بما وصفته به رسله - لكان معهم التوحيد دون العمل . وذلك لا يكفي في السعادة والنجاة بل لا بد من أن يعبد الله وحده ويتخذ إلها ; دون ما سواه . وهو معنى قول : " لا إله إلا الله " فكيف وهم في القول والكلام معطلون جاحدون ; لا موحدون ولا مخلصون ؟ .
وأما الإيمان بالرسل : فليس فيه للمعلم الأول وذويه كلام معروف . والذين دخلوا في الملل منهم آمنوا ببعض صفات الرسل وكفروا ببعض .
وأما اليوم الآخر : فأحسنهم حالا من يقر بمعاد الأرواح دون الأجساد .
[ ص: 36 ] ومنهم من ينكر المعادين جميعا . ومنهم من يقر بمعاد الأرواح العالمة دون الجاهلة . وهذه الأقوال الثلاثة لمعلمهم الثاني أبي نصر الفارابي . ولهم فيه من الاضطراب ما يعلم به أنهم لم يهتدوا فيه [ إلى ] الصواب .
وقد أضلوا بشبهاتهم من المنتسبين إلى الملل من لا يحصي عدده إلا الله .