فصل وهذا المقام لا أذكر فيه موارد النزاع فيقال : هو الاستدلال على المختلف بالمختلف ; لكن أنا أصف
جنس كلامهم فأقول : لا ريب أن كلامهم كله منحصر في الحدود التي تفيد التصورات سواء كانت الحدود حقيقية أو رسمية أو لفظية وفي الأقيسة التي تفيد التصديقات سواء كانت أقيسة عموم وشمول أو شبه وتمثيل أو استقراء وتتبع .
وكلامهم غالبه لا يخلو من تكلف : إما في العلم وإما في القول فإما
[ ص: 43 ] أن يتكلفوا علم ما لا يعلمونه : فيتكلمون بغير علم أو يكون الشيء معلوما لهم فيتكلفون من بيانه ما هو زيادة وحشو وعناء وتطويل طريق وهذا من المنكر المذموم في الشرع والعقل قال تعالى : {
قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين } وفي الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال : " أيها الناس من علم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل : لا أعلم فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم : لا أعلم " .
وقد ذم الله القول بغير علم في كتابه كقوله تعالى : {
ولا تقف ما ليس لك به علم } لا سيما القول على الله كقوله تعالى : {
قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } وكذلك ذم الكلام الكثير الذي لا فائدة فيه وأمر بأن نقول القول السديد والقول البليغ .
وهؤلاء كلامهم في الحدود غالبه من الكلام الكثير الذي لا فائدة فيه بل قد يكثر كلامهم في الأقيسة والحجج كثير منه كذلك وكثير منه باطل وهو قول بغير علم وقول بخلاف الحق .
أما ( الأول : فإنهم يزعمون أن الحدود التي يذكرونها يفيدون بها تصور الحقائق وأن ذلك إنما يتم بذكر الصفات الذاتية المشتركة والمميزة حتى يركب الحد من الجنس المشترك والفصل المميز . وقد يقولون : إن التصورات
[ ص: 44 ] لا تحصل إلا بالحدود ويقولون : الحدود المركبة لا تكون إلا للأنواع المركبة من الجنس والفصل دون الأنواع البسيطة .