[ ص: 575 ] سورة الرعد
قوله تعالى:
له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله
قول الله تعالى:
له معقبات من بين يديه ومن خلفه الآية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما -: هم الملائكة يحفظونه بأمر الله فإذا جاء القدر خلوا عنه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه : إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر . فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن الأجل جنة حصينة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : ما من عبد إلا له ملك يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما من شيء يأتيه إلا قال: وراءك، إلا شيئا قد أذن الله فيه فيصيبه .
ومن حفظ الله للعبد: أن يحفظه في صحة بدنه وقوته وعقله وماله . قال بعض السلف: العالم لا يحزن . وقال بعضهم: من حفظ القرآن متع بعقله . وتأول ذلك بعضهم على قوله تعالى:
ثم رددناه أسفل سافلين
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب الطبري قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بعقله وقوته، فوثب يوما من سفينة كان فيها إلى الأرض وثبة شديدة، فعوتب على ذلك، فقال:
[ ص: 576 ] هذه جوارح حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر .
وعكس هذا أن
nindex.php?page=showalam&ids=14021الجنيد رأى شيخا يسأل الناس فقال: إن هذا ضيع الله في صغره، فضيعه الله في كبره .
وقد يحفظ الله العبد بصلاحه في ولده وولد ولده، كما قيل في قوله تعالى:
وكان أبوهما صالحا إنهما حفظا بصلاح أبيهما .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16920محمد بن المنكدر : إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وقريته التي هو فيها، والدويرات التي حولها فما يزالون في حفظ الله وستره .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب لابنه: يا بني، إني لأزيد في صلاتي من أجلك، رجاء أن أحفظ فيك، وتلا هذه الآية:
وكان أبوهما صالحا وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما من مؤمن يموت إلا حفظه الله تعالى في عقبه وعقب عقبه .
وقال
يحيى بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل : كان لي أخت أسن مني . فاختلطت وذهب عقلها وتوحشت، وكانت في غرفة في أقصى سطوحنا فمكثت بذلك بضع عشرة سنة، فبينما أنا نائم ذات ليلة إذا باب يدق نصف الليل، فقلت: من هذا; قالت: كجه، فقلت: أختي; قالت أختك، ففتحت الباب فدخلت ولا عهد لها بالبيت أكثر من عشر سنين . فقالت: أتيت الليلة في منامي فقيل لي: إن الله حفظ أباك
إسماعيل لسلمة جدك، وحفظك لأبيك
إسماعيل، فإن شئت دعوت الله فذهب ما بك، وإن شئت صبرت ولك الجنة، فإن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر قد شفعا لك إلى الله عز وجل بحب
[ ص: 577 ] أبيك وجدك إياهما، فقلت: فإذا كان بد من اختيار أحدهما فالصبر على ما أنا فيه والجنة، وإن الله عز وجل لواسع بخلقه لا يتعاظمه شيء، إن شاء أن يجمعهما لي فعل . قالت: فقيل: فإن الله قد جمعهما لك ورضي عن أبيك وجدك بحبهما
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر - رضي الله عنهما -، قومي فانزلي، فأذهب الله تعالى ما كان بها .
ومتى كان العبد مشتغلا بطاعة الله فإن الله تعالى يحفظه في تلك الحال كما في "مسند
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد " عن
حميد بن هلال عن رجل قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=700588أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يريني بيتا، فقال: "إن امرأة كانت فيه فخرجت في سرية من المسلمين وتركت ثنتي عشرة عنزا وصيصيتها كانت تسبح بها، قال: ففقدت عنزا من غنمها وصيصيتها، فقالت: يا رب إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه . وإني قد فقدت عنزا من غنمي وصيصيتي، وإني أنشدك عنزي وصيصيتي " قال: فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر شدة مناشدتها ربها تبارك وتعالى . قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "فأصبحت عنزها ومثلها وصيصيتها ومثلها . وهاتيك، فأتها" قال: فقلت: بل أصدقك " .
وكان
شيبان الراعي يرعى غنما، فإذا جاءت الجمعة خط عليها خطا وذهب إلى الجمعة ثم يرجع وهي كما تركها .
وكان بعض السلف بيده الميزان يزن بها دراهم فسمع الأذان فنهض ونفضها على الأرض وذهب إلى الصلاة، فلما عاد جمعها فلم يذهب منها شيء .
ومن أنواع
حفظ الله لمن حفظه في دنياه: أن يحفظه من شر كل من يريده
[ ص: 578 ] بأذى من الجن والإنس، كما قال تعالى:
ومن يتق الله يجعل له مخرجا قالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها -: يكفيه غم الدنيا وهمها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14355الربيع بن خثيم : يجعل له مخرجا من كل ما ضاق على الناس . وكتبت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - إلى
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية : إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئا .
وكتب بعض الخلفاء إلى
الحكم بن عمرو الغفاري كتابا يأمره فيه بأمر يخالف كتاب الله، فكتب إليه
الحكم: إني نظرت في كتاب الله فوجدته قبل كتاب أمير المؤمنين ، وإن السماوات والأرض لو كانتا رتقا على امرئ فاتقى الله عز وجل، جعل له منهما مخرجا . والسلام .
وأنشد بعضهم:
بتقوى الإله نجا من نجا . وفاز وصار إلى ما رجا ومن يتق الله يجعل له .
كما قال من أمره مخرجا
كتب بعض السلف إلى أخيه: أما بعد، فإنه من اتقى الله حفظ نفسه . ومن ضيع تقواه فقد ضيع نفسه، والله الغني عنه .
ومن عجيب حفظ الله تعالى لمن حفظه: أن يجعل الحيوانات المؤذية بالطبع حافظة له من الأذى وساعية في مصالحه، كما جرى
nindex.php?page=showalam&ids=3571لسفينة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كسر به المركب وخرج إلى جزيرة فرأى السبع، فقال: يا
أبا الحارث أنا
سفينة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعل يمشي حوله ويدله على الطريق حتى أوقفه عليها، ثم جعل يهمهم كأنه يودعه وانصرف عنه .
[ ص: 579 ] وكان
أبو إبراهيم السايح قد مرض في برية بقرب دير، فقال: لو كنت عند باب الدير لنزل الرهبان فعالجوني، فجاء السبع فاحتمله على ظهره حتى وضعه على باب الدير فرآه الرهبان فأسلموا وكانوا أربعمائة .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12358إبراهيم بن أدهم ، نائما في بستان وعنده حية في فمها طاقة نرجس . فما زالت تذب عنه حتى استيقظ .
فمن حفظ الله حفظه من الحيوانات المؤذية بالطبع، وجعل تلك الحيوانات حافظة له . ومن ضيع الله ضيعه الله بين خلقه، حتى يدخل عليه الضرر ممن كان يرجو أن ينفعه، ويصير أخص أهله به وأرفقهم به يؤذيه .
كما قال بعضهم: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي وحماري، يعني: أن خادمه يسوء خلقه عليه ولا يطيعه، وحماره يستعصي عليه فلا يواتيه لركوبه . فالخير كله مجموع في طاعة الله والإقبال عليه . والشر كله مجموع في معصية الله والإعراض عنه .
قال بعض العارفين: من فارق سدة سيده لم يجد لقدميه قرارا أبدا .
والله ما جئتكم زائرا . إلا وجدت الأرض تطوى لي
ولا ثنيت العزم عن بابكم . إلا تعثرت بأذيالي