واعلم أن الله تعالى صرف في هذا القرآن ليذكروا، ولكن ما زادهم إلا نفورا وجحودا ففي قلوبهم أقفال مغلقة، وإذا قرأ محمد - صلى الله عليه وسلم - القرآن جعل الله تعالى بينه وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا، ولتقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر، ما أروعه! إن قرآن الفجر كان مشهودا . وأنزل الله من القرآن ما فيه شفاء ورحمة للمؤمنين، ولئن اجتمعت الإنس [ ص: 56 ] والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولعجزوا عجرا أبديا . وصرفه الله للناس، صرف القرآن من كل مثل . ولكن ما أنزله الله ليشقى أحد من الناس، ويطلب رب العزة من محمد - صلى الله عليه وسلم - ألا يعجل به من قبل أن يقضى إليه وحيه بإذنه تعالى - جل شأنه - . ويقول الرسول: يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ويطمئنه الله فعلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ألا يخاف ولا يحزن فهم يقولون: (لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) ؟ وهم لا يعرفون أن تلك الآيات حكيمة من لدن حكيم عليم، وكلامهم غثاء أحوى . القرآن الذي يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم في يختلفون دائما، ولقد أمرت يا محمد أن تكون من المسلمين تاليا للقرآن والذي فرضه عليك لرادك إلى معاد . في هذا القرآن ضرب الله للناس كل الأمثال لعلهم يتفكرون ويعقلون . والذين كفروا قالوا: إنهم لن يؤمنوا بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه، بئس قولهم، فالقرآن حكيم، ومحمد ابن عبد الله لا ريب من المرسلين، ما علمه الله الشعر وما ينبغي له، إن هو إلا ذكر وقرآن مبين . القرآن ذو الذكر ولكن الذين كفروا في عزة مزعومة وشقاق . القرآن يسره الله للذكر فهل من مدكر، ولنذكر ثمود وقوم لوط وآل فرعون إذ جاءهم النذر .
فالرحمن علم القرآن، فهو قرآن كريم في كتاب مكنون لو أنزله الله على جبل لرأيناه خاشعا متصدعا، أقبل عليه يا محمد ورتله ترتيلا . واقرءوا في السر والجهر ما تيسر منه . وهو قرآن مجيد، في لوح محفوظ، قد نزله الله تنزيلا، ولكن ما عساهم لا يسجدون إذا قرئ عليهم القرآن؟; إنه [ ص: 57 ] قرآن عربي مبين لعلنا نعقل، ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله سبحانه الأمر جميعا ، أفلم يعرف الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا؟; ولا يزال الذين كفروا وجحدوا تصيبهم بما صنعوا قارعة، أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله المحتوم، والله لا يخلف الميعاد .
ولقد استهزئ برسل من قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - فأملى الله للذين كفروا ثم أخذتهم الصيحة، فانظر كيف كان عقاب الله لهم جزاء فعلهم ونكرانهم . لقد أنزله الله على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - على مكث فرقه، ليقرأه محمد على الناس على مكث أيضا في هدوء ودرس وتؤدة كي تعم الفائدة . وكذلك أنزله الله قرآنا عربيا لقوم يعلمون، ولو جعله الله قرآنا أعجميا . لقالوا: لولا فصلت آياته، أعجمي وعربي، قل لهم يا محمد: هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ومن عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد .
لقد أوحينا إليك يا محمد قرآنا عربيا لتنذر أم القرى، جعلناه قرآنا عربيا لعلنا نعقل . نعقل هذا العجب الذي سمعناه، وعلينا جمعه وقرآنه وإذا قرأناه فلنتبعه ونعمل في دنيانا كي ننال الجزاء الأوفى في أخرانا .
وفي الأثر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة - رضي الله عنه - أن يقرأ آية الكرسي من أولها إلى آخرها إذا أوى إلى فراشه، وبها لن يقربه شيطان حتى يصبح ويكون الله حافظا له .
يقول nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت; ولا نزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت; ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه .
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لنفسه: ثكلتك أمك، نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك . قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : فحركت بعيري حتى كنت أمام الناس، وخشيت أن ينزل في قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ، قال: فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، قال: فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسلمت عليه، فقال: "لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس . ثم قرأ: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) " .