قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينـزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم
عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661356 "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به، فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم " .
رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم .
هذا الحديث بهذا اللفظ: خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وحده من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
[ ص: 448 ] nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب وأبي سلمة - كلاهما - عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وخرجاه من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، عن
الأعرج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=656744 "دعوني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء، فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " وخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من طريقين آخرين عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بمعناه . وفي رواية له ذكر سبب هذا الحديث من رواية
محمد بن زياد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=659388خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو قلت: نعم، لوجبت ولما استطعتم"، ثم قال: "ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء، فدعوه " .
وخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من وجه آخر مختصرا . وقال فيه: فنزل قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وقد روي من غير وجه أن هذه الآية نزلت لما سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحج، وقالوا: أفي كل عام؟
وفي "الصحيحين " عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=654255خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رجل: من أبي؟ فقال: "فلان "، فنزلت هذه الآية: لا تسألوا عن أشياء وفيهما - أيضا - عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=655885سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى [ ص: 449 ] أحفوه في المسألة، فغضب فصعد المنبر، فقال: "لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته" فقام رجل - كان إذا لاحى الرجال دعي إلى غير أبيه - فقال: يا رسول الله من أبي; قال: " أبوك حذافة "، ثم أنشأ nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، نعوذ بالله من الفتن، وكان nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة يذكر عند هذا الحديث هذه الآية يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء
وفي "صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=654256كان قوم يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استهزاء، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء .
وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري في "تفسيره" من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=890453خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غضبان محمار وجهه، حتى جلس على المنبر، فقام إليه رجل فقال: أين أنا؟ فقال: "في النار" فقام إليه آخر، فقال: من أبي؟ قال: "أبوك حذافة "، فقام nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما، إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك، والله أعلم من آباؤنا، قال: فسكن غضبه، ونزلت هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء وروى - أيضا - من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله:
يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم قال:
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن في الناس، فقال: "يا قوم كتب عليكم الحج؟ "، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، أفي كل عام; فأغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضبا شديدا، فقال: [ ص: 450 ] "والذي نفسي بيده، لو قلت: نعم، لوجبت ولو وجبت ما استطعتم، وإذن لكفرتم، فاتركوني ما تركتكم، فإذا أمرتكم بشيء فافعلوا، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه " فأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم نهاهم أن يسألوا مثل الذي سألت النصارى في المائدة، فأصبحوا بها كافرين، فنهى الله تعالى عن ذلك، وقال: لا تسألوا عن أشياء، إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم، ولكن انتظروا، فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه . فدلت هذه الأحاديث على النهي عن
السؤال عما لا يحتاج إليه مما يسوء السائل جوابه مثل سؤال السائل، هل هو في النار أو في الجنة، وهل أبوه من ينتسب إليه أو غيره، وعلى النهي عن
السؤال على وجه التعنت والعبث والاستهزاء، كما كان يفعله كثير من المنافقين وغيرهم .
وقريب من ذلك سؤال الآيات واقتراحها على وجه التعنت، كما كان يسأله المشركون وأهل الكتاب، وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة وغيره: إن الآية نزلت في ذلك . ويقرب من ذلك السؤال عما أخفاه الله عن عباده، ولم يطلعهم عليه . كالسؤال عن وقت الساعة، وعن الروح . ودلت - أيضا - على نهي المسلمين عن
السؤال عن كثير من الحلال والحرام مما يخشى أن يكون السؤال سببا لنزول التشديد فيه، كالسؤال عن الحج: هل يجب كل عام أم لا؟
وفي "الصحيح " عن
سعد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661357 "إن أعظم المسلمين [ ص: 451 ] في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته " .
ولما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اللعان كره المسائل وعابها حتى ابتلي السائل عنه قبل وقوعه بذلك في أهله
nindex.php?page=hadith&LINKID=652231وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال .
ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرخص في المسائل إلا للأعراب ونحوهم من الوفود القادمين عليه، يتألفهم بذلك، فأما
المهاجرون والأنصار المقيمون
بالمدينة الذين رسخ الإيمان في قلوبهم، فنهوا عن المسألة، كما في "صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " عن
النواس بن سمعان، قال: أقمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بالمدينة سنة ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة، كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفيه أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=657021نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل، فيسأله ونحن نسمع .
وفي "المسند" عن
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة ، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=702104كان الله قد أنزل: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم قال: فكنا قد كرهنا كثيرا من مسألته، واتقينا ذلك حين أنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال: فأتينا أعرابيا، فرشوناه بردا، ثم قلنا له: سل النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر حديثا .
وفي "مسند
أبي يعلى الموصلي " عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب قال: إن كان لتأتي
[ ص: 452 ] علي السنة أريد أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء، فأتهيب منه، وإن كنا لنتمنى الأعراب .
وفي "مسند
nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار " عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال:
ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة، كلها في القرآن: يسألونك عن الخمر والميسر يسألونك عن الشهر الحرام ويسألونك عن اليتامى وذكر الحديث .
وقد كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحيانا يسألونه عن حكم حوادث قبل وقوعها، لكن للحمل بها عند وقوعها، كما قالوا له: إنا لاقو العدو غدا، وليس معنا مدى، أفنذبح بالقصب; وسألوه عن الأمراء الذين أخبر عنهم بعده، وعن طاعتهم وقتالهم، وسأله
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة عن الفتن، وما يصنع فيها . فهذا الحديث، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=676515 "ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم " يدل على
كراهة المسائل وذمها، ولكن بعض الناس يزعم أن ذلك كان مختصا بزمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما يخشى حينئذ من تحريم ما لم يحرم، أو إيجاب ما يشق القيام به، وهذا قد أمن بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - . ولكن ليس هذا وحده هو سبب كراهة المسائل، بل له سبب آخر، وهو الذي أشار إليه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في كلامه الذي ذكرنا بقوله: ولكن انتظروا، فإذا نزل القرآن، فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه . ومعنى هذا: أن جميع ما يحتاج إليه المسلمون في دينهم لا بد أن يبينه الله في كتابه العزيز،
[ ص: 453 ] ويبلغ ذلك رسوله عنه، فلا حاجة بعد هذا لأحد في السؤال، فإن الله تعالى أعلم بمصالح عباده منهم، فما كان فيه هدايتهم ونفعهم فإن الله لا بد أن يبينه لهم ابتداء من غير سؤال، كما قال:
يبين الله لكم أن تضلوا وحينئذ، فلا حاجة إلى السؤال عن شيء، ولا سيما قبل وقوعه والحاجة إليه، وإنما الحاجة المهمة إلى فهم ما أخبر الله به ورسوله، ثم اتباع ذلك والعمل به، وقد
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل عن المسائل، فيحيل على القرآن، كما
nindex.php?page=hadith&LINKID=936260سأله nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عن الكلالة فقال: "يكفيك آية الصيف " .
وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث إلى أن في الاشتغال بامتثال أمره، واجتناب نهيه شغلا عن المسائل، فقال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=63237 "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم " . فالذي يتعين على المسلم الاعتناء به والاهتمام أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يجتهد في فهم ذلك، والوقوف على معانيه، ثم يشتغل بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العلمية، وإن كان من الأمور العملية، بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر، واجتناب ما ينهى عنه، وتكون همته مصروفة بالكلية إلى ذلك، لا إلى غيره . وهكذا كان حال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسان في طلب العلم النافع من الكتاب والسنة . فأما إن كانت همة السامع مصروفة عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع، وقد لا تقع، فإن هذا مما يدخل في النهي ويثبط عن الجد في
[ ص: 454 ] متابعة الأمر . وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=669158سأل رجل nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن استلام الحجر، فقال له: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويقبله، فقال له الرجل: أرأيت إن غلبت عليه؟ أرأيت إن زوحمت؟ فقال له nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : اجعل "أرأيت" باليمن، رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويقبله .
خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي .
ومراد
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : أن لا يكون لك هم إلا في الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا حاجة إلى فرض العجز عن ذلك أو تعسره قبل وقوعه، فإنه قد يفتر العزم عن التصميم على المتابعة، فإن التفقه في الدين، والسؤال عن العلم إنما يحمد إذا كان للعمل، لا للمراء والجدال .
وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله عنه -، أنه ذكر فتنا تكون في آخر الزمان، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : متى ذلك يا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي؟ قال: إذا تفقه لغير الدين، وتعلم لغير العمل، والتمست الدنيا بعمل الآخرة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنه قال: كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير . ويهرم فيها الكبير، وتتخذ سنة، فإن غيرت يوما قيل: هذا منكر؟ قالوا: ومتى ذلك؟ قال: إذا قلت أمناؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلت فقهاؤكم، وكثر قراؤكم، وتفقه لغير الدين، والتمست الدنيا بعمل الآخرة .
خرجهما
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق في كتابه .
ولهذا المعنى كان كثير من الصحابة والتابعين يكرهون السؤال عن الحوادث قبل وقوعها، ولا يجيبون عن ذلك، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16718عمرو بن مرة : خرج
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر على
[ ص: 455 ] الناس، فقال: أحرج عليكم أن تسألونا عن ما لم يكن، فإن لنا فيما كان شغلا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال: لا تسألوا عما لم يكن، فإني سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لعن السائل عما لم يكن .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت إذا سئل عن الشيء يقول: كان هذا ؟ فإن قالوا: لا . قال: دعوه حتى يكون .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب عن شيء، فقال: أكان بعد؟ فقلت: لا، فقال: أجمنا - يعني: أرحنا - حتى يكون فإذا كان اجتهدنا لك رأينا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : سئل
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار عن مسألة فقال: هل كان هذا بعد؟ قالوا: لا، قال: فدعونا حتى يكون، فإذا كان تجشمناه لكم .
وعن
الصلت بن راشد، قال: سألت
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووسا عن شيء، فانتهرني . وقال: أكان هذا؟ قلت: نعم، قال: آلله ؟ قلت: آلله . قال: إن أصحابنا أخبرونا عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل أنه قال: أيها الناس، لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله فيذهب بكم هاهنا وهاهنا، فإنكم إن لم تعجلوا بالبلاء قبل نزوله لم ينفك المسلمون أن يكون فيهم من إذا سئل سدد، أو قال وفق .
وقد خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في كتاب: "المراسيل " مرفوعا من طريق
[ ص: 456 ] nindex.php?page=showalam&ids=17000ابن عجلان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=708918 "لا تعجلوا بالبلية قبل نزولها فإنكم إن لم تفعلوا لم ينفك المسلمون منهم من إذا قال سدد أو وفق، وإنكم إن عجلتم، تشتت بكم السبل هاهنا وهاهنا" . ومعنى إرساله أن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووسا لم يسمع من
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ .
وخرجه - أيضا - من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعناه مرسلا . وروى
الحجاج بن منهال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15627جرير بن حازم سمعت
الزبير بن سعيد - رجلا من
بني هاشم - قال . سمعت أشياخنا يحدثون: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=848548 "لا يزال في أمتي من إذا سئل سدد وأرشد حتى يتساءلوا عن ما لم ينزل تبيينه، فإذا فعلوا ذلك، ذهب بهم هاهنا وهاهنا" .
وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=5152الصنابحي عن
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=3504294أنه نهى عن الأغلوطات، خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وفسرها
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، قال: هي شداد المسائل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس: هي ما لا يحتاج إليه من كيف وكيف .
ويروى من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=99ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=930861 "سيكون أقوام من أمتي يغلطون فقهاءهم بعضل المسائل، أولئك شرار أمتي " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: شرار عباد الله الذين يتبعون شرار المسائل يغمون بها عباد الله .
[ ص: 457 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم، ألقى على لسانه المغاليط، فلقد رأيتهم أقل الناس علما .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : أدركت هذه البلدة، وإنهم ليكرهون هذا الإكثار الذي فيه الناس اليوم، يريد المسائل .
وقال أيضا: سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا وهو يعيب
كثرة الكلام وكثرة الفتيا، ثم قال: يتكلم كأنه جمل مغتلم يقول: هو كذا، هو كذا يهدر في كلامه .
وقال: وسمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا يكره الجواب في كثرة المسائل، وقال: قال الله عز وجل:
ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي فلم يأته في ذلك جواب . وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك يكره
المجادلة عن السنن أيضا . قال
الهيثم بن جميل: قلت
nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك : يا
أبا عبد الله ، الرجل يكون عالما بالسنن يجادل عنها؟ قال: لا، ولكن يخبر بالسنة، فإن قبل منه، وإلا سكت .
وقال
إسحاق بن عيسى: كان
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك يقول: المراء والجدال في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا يقول: المراء في العلم يقسي القلوب ويورث الضغن .
وكان
أبو شريح الإسكندراني يوما في مجلسه، فكثرت المسائل، فقال: قد درنت قلوبكم منذ اليوم، فقوموا إلى
أبي حميد خالد بن حميد اصقلوا قلوبكم، وتعلموا هذه الرغائب، فإنها تجدد العبادة، وتورث الزهادة، وتجر الصداقة، وأقلوا المسائل إلا ما نزل، فإنها تقسي القلوب، وتورث العداوة .
[ ص: 458 ] وقال
الميموني: سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله - يعني أحمد - يسأل عن مسألة . فقال: وقعت هذه المسألة ؟ بليتم بها بعد .
وقد انقسم الناس في هذا الباب أقساما:
فمن أتباع أهل الحديث من سد باب المسائل حتى قل فقهه وعلمه بحدود ما أنزل الله على رسوله، وصار حامل فقه غير فقيه .
ومن فقهاء أهل الرأي من توسع في توليد المسائل قبل وقوعها، ما يقع في العادة منها وما لا يقع، واشتغلوا بتكلف الجواب عن ذلك، وكثرة الخصومات فيه، والجدال عليه حتى يتولد من ذلك افتراق القلوب، ويستقر فيها بسببه الأهواء والشحناء والعداوة والبغضاء، ويقترن ذلك كثيرا بنية المغالبة، وطلب العلو والمباهاة، وصرف وجوه الناس، وهذا مما ذمه العلماء الربانيون، ودلت السنة على قبحه وتحريمه . وأما فقهاء أهل الحديث العاملون به، فإن معظم همهم البحث عن معاني كتاب الله عز وجل، وما يفسره من السنن الصحيحة، وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وعن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعرفة صحيحها وسقيمها، ثم التفقه فيها وتفهمها، والوقوف على معانيها، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان في أنواع العلوم من التفسير والحديث، ومسائل الحلال والحرام، وأصول السنة والزهد والرقائق، وغير ذلك، وهذا هو طريقة
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ومن وافقه من علماء الحديث الربانيين، وفي معرفة هذا شغل شاغل عن التشاغل بما أحدث من الرأي مما لا ينتفع به ولا يقع، وإنما يورث التجادل فيه كثرة الخصومات والجدال وكثرة القيل والقال . وكان
[ ص: 459 ] nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد كثيرا إذا سئل عن شيء من المسائل المولدات التي لا تقع يقول: دعونا من هذه المسائل المحدثة .
وما أحسن ما قاله
يونس بن سليمان السقطي: نظرت في الأمر، فإذا هو الحديث والرأي، فوجدت في الحديث ذكر الرب عز وجل، وربوبيته وإجلاله وعظمته، وذكر العرش وصفة الجنة والنار، وذكر النبيين والمرسلين، والحلال والحرام، والحث على صلة الأرحام، وجماع الخير فيه، ونظرت في الرأي، فإذا فيه المكر والغدر، والحيل، وقطيعة الأرحام، وجماع الشر فيه .
وقال
أحمد بن شبويه: من أراد علم القبر فعليه بالآثار، ومن أراد علم الخبز فعليه بالرأي .
ومن سلك طريقه لطلب العلم على ما ذكرناه، تمكن من فهم جواب الحوادث الواقعة غالبا، لأن أصولها توجد في تلك الأصول المشار إليها . ولا بد أن يكون سلوك هذا الطريق خلف أئمة أهله المجمع على هدايتهم ودرايتهم
nindex.php?page=showalam&ids=13790كالشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق
nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبي عبيد ومن سلك مسلكهم، فإن من ادعى سلوك هذا الطريق على غير طريقهم، وقع في مفاوز ومهالك، وأخذ بما لا يجوز الأخذ به، وترك ما يجب العمل به . وملاك الأمر كله أن يقصد بذلك وجه الله، والتقرب إليه، بمعرفة ما أنزله على رسوله، وسلوك طريقه، والعمل بذلك، ودعاء الخلق إليه، ومن كان كذلك وفقه الله وسدده، وألهمه رشده، وعلمه ما لم يكن يعلم، وكان من العلماء الممدوحين في قوله تعالى:
إنما يخشى الله من عباده العلماء ومن الراسخين في العلم .
[ ص: 460 ] فقد خرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم في "تفسيره" من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء nindex.php?page=hadith&LINKID=939306أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الراسخين في العلم، فقال: "من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن عف بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم" . قال
نافع بن يزيد: يقال: الراسخون في العلم: المتواضعون لله، المتذللون لله في مرضاته، لا يتعاطون من فوقهم، ولا يحقرون من دونهم . ويشهد لهذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=687749 "أتاكم أهل اليمن، هم أبر قلوبا، وأرق أفئدة . الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية" .
وهذا إشارة منه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري ، ومن كان على طريقه من علماء أهل
اليمن، ثم إلى
أبي مسلم الخولاني ،
وأويس القرني، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاووس .
ووهب بن منبه ، وغيرهم من علماء أهل
اليمن، وكل هؤلاء من العلماء الربانيين الخائفين لله، وكلهم علماء بالله يخشونه ويخافونه، وبعضهم أوسع علما بأحكام الله وشرائع دينه من بعض، ولم يكن تميزهم عن الناس بكثرة قيل وقال، ولا بحث ولا جدال .
وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل - رضي الله عنه -، أعلم الناس بالحلال والحرام، وهو الذي يحشر يوم القيامة أمام العلماء برتوة، ولم يكن علمه بتوسعة المسائل وتكثيرها، بل قد سبق عنه كراهة الكلام فيما لم يقع، وإنما كان عالما بالله وعالما بأصول دينه .
وقد قيل للإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : من نسأل بعدك؟ قال:
عبد الوهاب الوراق . قيل له: إنه ليس له اتساع في العلم، قال: إنه رجل صالح، مثله يوفق
[ ص: 461 ] لإصابة الحق .
وسئل عن
nindex.php?page=showalam&ids=17117معروف الكرخي، فقال: كان معه أصل العلم: خشية الله . وهذا يرجع إلى قول بعض السلف: كفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار بالله جهلا . وهذا باب واسع يطول استقصاؤه .