ولقد قال تعالى في جزاء الذين كذبوا بآيات الله، فقال عز من قائل:
والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون هذا النص السامي وصف عام لكل المكذبين لآيات الله ولقائه، وأخص من ينطبق عليهم المشركون الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى:
والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة أنكر هؤلاء أمرين وكذبوهما:
أولهما - آيات الله تعالى أي: معجزاته القاهرة الباهرة، فلم يؤمنوا بموجبها ولم يصدقوا ما تدعوا إليه من إيمان، وأهملوها، وافتاتوا عليها، فقالوا: سحر مبين، وكذبوا بدلائل الوحدانية فيها فغفلوا عن إدراك ما تهدي إليه.
وثانيهما - كذبوا بلقاء الآخرة، أي بلقاء الله تعالى في الآخرة، أو كذبوا بلقاء الآخرة بأن كذبوا بالبعث وما يعقبه، وقالوا: ما هي إلا حياتنا الدنيا نلهو ونلعب، وما نحن بمبعوثين، وحسبوا أن الإنسان يترك سدى، ونزلوا به عن مكانته
[ ص: 2952 ] التي خلقه الله تعالى عليها، وجعل الملائكة يسجدون له خاضعين، وحسبوا أن الله خلقهم عبثا، وأنهم إليه لا يرجعون.
وبسبب هذا التكذيب لهذين الأمرين أصدر الله تعالى الحكم، فقال:
حبطت أعمالهم أي: بطلت أعمالهم فلا ثواب لهم على عمل، ولو كان فيه نفع ظاهر أو ظاهره النفع; وذلك لأن الأعمال ثوابها بحسب القلوب، وما دامت القلوب ممتلئة بالشرك، مدرنة بتكذيب الحق فلا خير فيها، ولا خير منها، فإن إشراق الحكمة لا يكون إلا من قلب سليم.
ومع أن أعمالهم تكون باطلة لا ثواب فيها إلا أن عليهم العقاب فيما يرتكبون، ولذا قال تعالى:
هل يجزون إلا ما كانوا يعملون
الاستفهام هنا إنكاري لإنكار الوقوع بمعنى النفي، وفيه معنى تأكيد النفي، بمعنى أنه لا يتصور إلا أن يجزون بعملهم، فهو نفي فيه معنى حصر العقاب فيهم.
وفي قوله تعالى:
يجزون إلا ما كانوا فيه بيان
عدل الله تعالى في جزائه ، فالجزاء من العمل ذاته، فهو الذي يقرره، وكأن الجزاء هو ذات العمل لتساويهما وتلازمهما، إنه العليم العدل الحكيم.