ولو شئنا لرفعناه بها لو شئنا له أن يهتدي رفعناه بها إلى مقام المؤمنين الصادقين، لو كان قد سلك سبيلنا ولم يرفض نعمة البيان وإسباغ الآيات، ولكنه أخلد إلى الأرض وسكن فيها بنزواتها وأهوائها وشهواتها، واتبع هواه، فلم يسيطر على شهواته، وكان عبدا لها، فاستوى عنده البينات والظلام، ولذلك مثله الله تعالى بالكلب الذي يندلع لسانه لاهثا دائما، فقال تعالت كلماته:
فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث
أي: إن حاله كحال الكلب المندلع لسانه، إن تحمل عليه بأن تهيجه ينبح مندلعا لسانه، وإن تتركه من غير تهييج ينبح مندلعا لسانه أيضا.
أي: إن أولئك الذين ينسلخون من الآيات التي ينعم الله تعالى عليهم ببيانها يستوي عندهم البيان والترك، بل إنهم يضلون دائما، إن ضلالهم في حال البيان أشد وأوغل، فالجامع بين المشبه والمشبه به هو البقاء على حال سوء دائما، سواء أكان البيان أم لم يكن.
وقد شبههم الله تعالى بالكلب في أقبح صوره، وهي الحال التي يكون فيها خارج اللسان يسيل فيها لعابه، وهي أقبح مناظره; ولذا قال تعالى:
ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا أي: تلك الحال التي قصصناها وبيناها حال الذين كذبوا بآياتنا، نقدوا تفكيرهم وتقديرهم للأمور، فلم يعرفوا الفرق بين النور الذي تجيء به الآيات هادية مرشدة وبين الظلام الذي يعمهون فيه متحيرين، وكانت حالهم كحال هذا الحيوان في أقبح صوره.
إذا كانت هذه حالهم ومآل أمرهم
فاقصص القصص الفاء كما ترى للإفصاح، ومعنى (اقصص): اذكر حالهم وخبرهم، فإنه يصور حالهم
لعلهم يتفكرون أي: لعل هذا التصوير الذي تقصه عليهم يحملهم على التنبه في
[ ص: 3010 ] حالهم العقلية التي ينزلون فيها إلى الحيوان الذي لا يدري الفرق فيما يعمل، فيتفكرون ويتدبرون الآيات ولا ينسلخون منها.