وإن
اغترار المشركين بالمال والنفر يمنعهم من التفكير في مآل أمرهم، والداعي إلى الحق وماضيه، ولذا قال تعالى:
أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمين الصادق في
قريش ، وعاش بينهم أربعين سنة كان يعرف بينهم بالأمين، وإذا ذكر اسم الأمين لا ينصرف إلا إليه، يحكم بينهم في خلافهم إذا تنازعوا، ويرتضون حكمه إيمانا بعقله وكمال تدبيره، فلما دعاهم إلى الحق وترك عبادة الأوثان قالوا: مجنون، وقد رد الله قولهم بقوله:
وما صاحبكم بمجنون
ولما رموه بهذا دعاهم الله أن يتدبروا ما يقولون، ويوازنوا بين قولهم هذا وما عرفوه من قبل، حتى يدركوا الحق وينفوا قولهم فيه، فقال:
أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة أي: يقولون هذا القول ولم يتفكروا؟! ويعلمون أنه ما بصاحبهم من جنة، فالتفكر ليردوا عقولهم إلى ماضي قولهم فيه من أنه العاقل الأمين في
[ ص: 3019 ] شبابه، حتى إذا بلغ أشده وبلغ الأربعين قالوا فيه ما قالوا، وإن نتيجة التفكر والموازنة أن ينتهوا إلى الحكم بأنه
ما بصاحبهم من جنة وعبر الله تعالى بقوله:
ما بصاحبهم (من) فيه إشارة إلى مصاحبته أربعين سنة في صحبة كريمة عاقلة أمينة يرجعون إليه في أمورهم المهمة ويشركهم في فعل الطيبات أنى اتجهوا إليها.
وإن ما دفعكم إلى هذا الوصف الذي ينافي ماضيه وحاضره إنما هو أنه جاء بالحق بشيرا ونذيرا وهاديا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا; ولذا قال تعالى:
إن هو إلا نذير مبين أي: ذاكر لكم عاقبة الكفر وهو العذاب الشديد، مبين لكم ذلك وموضحه.
والاستفهام هنا إنكاري للتوبيخ; لأنهم اندفعوا في رميه بالجنون من غير أن يتفكروا.
وقد وردت آيات كثيرة في هذا المعنى فقد قال تعالى:
قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد
فالله تعالى في هذه الآية يدعوهم إلى أن يتفكروا مجتمعين وفرادى ومتذاكرين وستنتهون إلى أنه
ما بصاحبهم من جنة إنه الكامل فيكم صبيا وشابا ورجلا مكتملا، ولكنه العناد قد جركم إلى إنكار ما هو ثابت ثبوتا لا مجال للريب فيه،