ولقد بين - سبحانه وتعالى - أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله تعالى عليه ، ولم يطلعه عن ميقات الساعة، فقال تعالى:
قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون .
بعد أن بين الله - تعالى - أمر الساعة وأن علمها عند الله وحده أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبين لهم أنه بشر رسول، وأنه لا يملك لهم أن يأتي بها قبل أن يقدر الله تعالى; لأنه لا يملك في نفسه لنفسه شيئا، لا يملك لنفسه نفعا يجلبه ولا ضرا يدفعه، بل إنه يجري عليه ما يجري على البشر، فلا يملك أن يغير في أمر الساعة شيئا، فليس لهم أن يسألوه عنها ويطلبوا منه ميقاتها، ولقد قال تعالى مثل ذلك في آية أخرى:
ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير [ ص: 3027 ] وإن هذا النص بما فيه من رد على أسئلتهم فيما يتعلق بالساعة فيه تأكيد لبشرية النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله تعالى، فأنا تحت سلطانه وظله، لا أملك إلا ما يملكني، وما لا يملكني ممنوع علي لا سلطان لي فيه "وإن
علم الغيب لله وحده ، فعلم الساعة له وحده، وأنا لا أعلم الغيب، وإنما علمه عند الله عالم الغيب، لا يطلع أحدا عليه، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر من ربه:
ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير لطلبت الكثير من الخير ونلته، فكنت أستنصر في الحروب في غير مكيدة ولا تدبير، ولدفعت أمر الشرك، ولجعلت الأرض خصبة إن كانت جدبا، ولكني أفوض أمري إلى، إن أعطاني فبإحسانه، وإن منعني فبحكمته وهو العليم.
وما مسني السوء ولو كنت أعلم الشيب ما مسني السوء فما يمسني ضر، ولا أنهزم في حرب، ولا أغلب في أمر، إنما أنا كسائر البشر أغالب أهل الشر وأنازعهم، وأنال منهم، وربما ينالون مني.
وإنما ما اختصصت به هو الرسالة وحدها، وأن الله يكلفني; ولذا قال:
إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون أي أنه مقصور على الرسالة لا يتجاوزها ولا يعدوها، فهو نذير للكافرين، بشير للمؤمنين (إن) في الآية نافية، فهي نافية إلا ما ثبت بعد الاستثناء، ألا وهو الرسالة من الله ينذر بها الكافر، ويبشر بها المؤمن.
وإنما ينتفع بالبلاغ المحمدي بالإنذار والتبشير المؤمنون، فهم الذين يخافون عذابه إن أنذروا، ويجيبون نداءه ويستبشرون برحمته إن أطاعوا، والله سبحانه هو الهادي إلى سواء السبيل.