ثم قال الله تعالى:
وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون .
الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، والمتحدث عنهم المشركون، فإنهم مع هذه البراهين ومع هذه الأدلة الحسية التي تفيد أنها لا تضر ولا تنفع، وأنها دون من يعبدها حسا ومشاهدة، وأنهم لا ينصرون أحدا ولا ينصرون أنفسهم - مع كل هذا عاكفون على أصنامهم يعبدونها، وإذا سمعوا دعوة الحق أعرضوا عنها، ولذا قال تعالى:
وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا أي: لا يسمعوا سماع وعي وإدراك وتأمل، بل هم معرضون، وشبهت حالهم في عدم تدبر القول وتعرف ما فيه بعدم السماع، باعتبار أن سماعهم الحسي لا جدوى فيه، إذ لا يتدبرون، بل على
[ ص: 3040 ] قلوبهم أقفالها.
وصور - سبحانه وتعالى - حالهم فقال عز من قائل:
وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون أي أنهم بعد أن يستمعوا إلى الهدى مشدوهين متحيرين يأخذهم نور الحق حيث يفكرون ويتدبرون، ولكن لا يلبثون أن يغلبهم التقليد وزيف الباطل، فيترددون وتصيبهم حيرة بين ماض ألفوه وحق بزغ نوره فغلب ضياؤه فعميت أعينهم عن أن ترى.
وقد صور الله - سبحانه وتعالى - بهذه الجملة السامية
وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون أي تراهم ينظرون إليك وما تدلي به من بينات باهرة، وأمارات للحق ظاهرة
وهم لا يبصرون أي: إبصار تأمل وتدبر في آياته، فهم المبصرون الذي لا يرون، والناظرون الذين لا يعرفون ما ينظرون إليه، فهم في حيرة أدت إلى ضلالهم.
وهذا استعارة تمثيلية، فقد شبهت حالهم التي يلوح لهم فيها الحق ولا يعرفونه، ويبرق لهم النور ولا يعرفونه - بحال الذين ينظرون ولا يبصرون؛ لأنها رؤية لا ترى الحق ولا تضع أيديهم عليه، فهم في ضلال مبين، والله - سبحانه وتعالى - يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.