قوله تعالى:
وما جعله الله إلا بشرى الضمير يعود إلى المصدر المشتق من
ممدكم أي أن ذلك الإمداد كان روحانيا فيه بشرى، أي تبشير لكم بالنصر وإنه آت لا ريب فيه، وفيه أمن للقلوب، ولتدخل الحرب مع رجاء النصر، فرجاء النصر والاطمئنان إليه مع أخذ الأهبة
[ ص: 3078 ] نصر على النفس، وابتداء النصر اطمئنان النفس فلا تفزع ولا تهاب ولا تخور; ولذا قال سبحانه
ولتطمئن به قلوبكم فلا تجزع فتقدم في غير خوف ولا وجل، وإنه وحده الناصر، فما كان الإمداد بالملائكة والإخبار به إلا لتطمئن القلوب.
وإنه بعد اتخاذ الأسباب لا يكون النصر
إلا من عند الله العزيز الحكيم، أي: الغالب الذي يدبر لكل شيء، وبأمره سبحانه وتعالى.
وفي الآيتين الكريمتين إشارات بيانية تليق بكتاب الله معجزة الوجود الإنساني كله:
أولاها - تأكيد الإمداد بالملائكة تلك القوى الروحانية التي تبشر وتطمئن، فقد أكدها بالتوكيد بأن في قوله تعالى:
أني ممدكم وبإضافة الإمداد إليه سبحانه، وهو القوي القهار - الغالب على كل شيء.
وثانيها - بالجملة الاسمية الدالة على البقاء والاستمرار.
وثالثها - الحد بألف الذي يوازي عدد المشركين أو يزيد، وهو على القراءات الأخرى أضعاف عدد المشركين.
ومن الإشارات البيانية - ضرورة الاعتماد على الله بعد أخذ الأهبة، وإعداد العدة، فقد قال تعالى:
وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم فقد قصر النصر مهما تتوافر أسبابه على أنه من عند الله، فلا نصر إلا منه، والقصر بالنفي والإثبات، فنفي وجود أي نصر إلا أن يكون من عند الله، ووصفه سبحانه وتعالى بما يزكي هذا القصر، فهو العزيز الذي لا يغلب، وهو الحكيم الذي يدبر الأمور بحكمته، ومن مقتضاها أن ينصر الحق ويخذل الباطل، فهو وحده ناصر الحق دائما، وتأكيد ذلك بـ(إن) والجملة الاسمية.