السلم
وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين
إن
الإسلام ما جاء للحرب، بل جاء للسلام، وهو يقول:
ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فهو دين السلام، وما كانت الحرب إلا لتأييد السلام، وليكون على العدل، وقال تعالى:
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين
وما حارب النبي - صلى الله عليه وسلم - المشركين إلا بعد أن فتنوا الناس عن دينهم، وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، وشردوا المؤمنين، فكان لا بد من القتال ليقدعوهم ويمنعوهم من هذا الظلم، فإذا جنحوا للسلم، وامتنعوا عن الفتنة - فقد زال سبب القتال، وعاد الأمر إلى أصل السلام الذي هو أساس العلاقة الإنسانية بين المسلمين وغيرهم; ولذا:
وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله [ ص: 3178 ] (جنحوا) أي مالوا، والضمير يعود إلى المشركين الذين وقعت الحرب بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - والذين كانوا يريدون الغارة على النبي ومن معه من المؤمنين الوقت بعد الآخر، والذين يخاف النبي - صلى الله عليه وسلم - خيانتهم من وقت لآخر، وإنهم إن كانوا كذلك ينبذ إليهم على سواء، والسلم تكون بفتح السين كما في هذه الآية، وتكون بكسرها كما في قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين
والسلم هو السلام، وهي مؤنثة كنقيضها - وهي الحرب - ولذا عاد الضمير عليها مؤنثا في قوله تعالى:
فاجنح لها وتوكل على الله ومؤدى هذا النص السامي أنهم إذا مالوا إلى السلم، ولم يقولوه بظاهر من القول، بل قالوه مطمئنين إلى أنه أصلح لهم - فإنه لا مضارة منه عليهم، ولا على المسلمين.
ومؤدى ذلك أن الإسلام يكون في قوة وعزة وغلبة أو أقرب إلى الغلب، فإنه يجب على المؤمنين - ولو كانوا هم الأقوياء الغالبين - أن يميلوا إلى الصلح كما مالوا، فالإسلام لا يريد الغلب لذات الغلب، فليست فروسية، إنما يريد دفع الأسرى وتسهيل الدعوة، وإزالة كل العقبات المانعة للدعوة، فإن كان ذلك بسلم فهو أولى بالأخذ والاتباع.
وقد لوحظ في الدعوة المحمدية أنها تقوى في السلم العزيمة ولا تضعف، فقد حصل في فترة الحديبية أنه دخل الناس في الإسلام بعدد يعد أضعاف ما دخل فيه المسلمون من وقت البعثة المحمدية إلى وقت عهد الحديبية.
وإنه واضح من النص الكريم أن الذين جنحوا إلى السلم هم المشركون، وأن المسلمين كان فيهم الغلب والقوة، وقد نهى الإسلام بنص القرآن عن أن يعرض المسلمون الصلح على المشركين، وهم في صلفهم لا يبدون ميلا للسلام، ولذا قال تعالى:
فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم
وإن التقدم بطلب الصلح في هذه الحال خنوع في وقت القوة، والصلح في هذه الحال يمكنهم من معاودة الحرب، والاستعداد لها.
[ ص: 3179 ] فالصلح أو السلام لا يكون إلا حيث تكون شوكة العدو قد خضدت، وفلت حدتها، فهو صلح حيث تؤمن الحرب من بعد; ولذا قال تعالى:
وتوكل على الله أي اجعل اعتمادك على الله تعالى وتوقع الأمن الدائم، وأن يتجهوا إلى الحق في هدأة السلم وأن يؤمنوا، ولقد رأوا قوة الإيمان، وخذلان الشرك.
وإن الله تعالى حامي دينه، وعاصم نبيه، وناصر أوليائه، وهو سميع لكل ما يقولون، عليم بكل ما يفعلون; ولذا قال تعالى:
وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين
إن الإسلام يتشوق للسلم إن كانت الحرب كما يتشوق الجراح المخلص لإنهاء جراحة بالشفار اضطرته حال الجسم لإقامتها، فمثل الحرب في نظر الإسلام كمثل الجراحة التي يقطع بها جسم فاسد، يخشى أن يسري فساده; ولذلك إذا جنح العدو للسلم كان على المؤمن أن يبادر إلى المجاوبة على السلم بسلم غير متردد ولا متوان; لذلك قال تعالى: