وقد صرح سبحانه وتعالى من بعد ذلك التحريض الذي يثير الهمم، ويثبت أن قتالهم حق على كل مؤمن - بالأمر بالقتال، وذلك بعد أن بين أنه حق كامل
قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم
بعد أن بين الله تعالى بواعث القتال من نكث العهد، وإخراج النبي والمؤمنين، وبدئهم بالفتنة - والفتنة أشد من القتل - وبدئهم بالقتال، إذ هاجموا في بدر من غير ضرورة تلجئهم، ولا حاجة تدفعهم إلا أن تكون كراهة لدينكم، وبدئهم بمعاونة
بني بكر على
خزاعة - بعد هذا بين ثمرات القتال: فقال تعالت كلماته:
قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وذلك بالإثخان فيهم، وصرح بقوله (بأيديكم) أي أنها عذاب لهم تتولونه أنتم، فقوله (بأيديكم) يراد بأنفسكم، وهذا مجاز مرسل علاقته الجزئية، وعبر بالأيدي لأنها هي التي بها البطش، وهي التي تحمل السيوف والرماح والنبال.
وكان العذاب في الدنيا بأيدي أهل الحق لردع أهل الباطل، وكسر شوكته، ولكيلا يستشري الشر، وتستعلي الرذائل وتنخفض الفضائل
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا لهذا كان لا بد من عذاب الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
ويخزهم بالأسر والتتبع في الأرض، وذهاب سطوتهم وقوتهم، وانخلاع العرب من ربقتهم، وذهاب سلطانهم المادي والأدبي.
[ ص: 3247 ] وينصركم عليهم فإن النصر بيد الله
ولينصرن الله من ينصره ونصرة العبد لله بإطاعة أوامره، ومنها الأمر بالقتال، وجعل كلمة الله هي العليا، وكلمة الكفر هي السفلى، ولا يكون النصر من الله إلا إذا اتخذت أسبابه من العبد واحتسب النية.
ويشف صدور قوم مؤمنين ذلك أن قلوب المؤمنين إذا رأت الكفر ناتئ الرأس، ولم يكن من يقمعه، ويرد كيده في نحره - عراها الشك أو التردد، أو محاولة تعرف الحكمة في إهمال الكفر، وتركه في عنفوانه وإيذائه، فإذا نصر الله المؤمنين شفيت صدور قوم مؤمنين، وخرج ذلك التردد، وذهبت عنها تلك الحيرة، فالله - بقتال المؤمنين لأهل الكفر - يشفي تلك الصدور المؤمنة من تلك الحيرة الممضة التي قد تثير الريب، ومن ذلك الحزن والموجدة، وفيه إشارة إلى الوعد بالفتح.