أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب في هذا بيان لجزاء الذين يتجهون إلى ربهم داعين أن يوفقهم لما فيه حسنة في الدنيا وحسنة في الآخرة ، ويقيهم عذاب النار . والإشارة للبعيد لبيان علو منزلتهم ; وقد بين أن الجزاء هو نصيبهم مما كسبوه من عمل الخير والقيام بالحق الواجب عليهم ، وفي هذا التعبير الذي يفيد أن النصيب مأخوذ مما كسبوه من أعمال إشارة إلى أمور ثلاثة :
[ ص: 630 ] أولها : إن هؤلاء الذين دعوا ربهم بالتوفيق لا بد أن يقرن دعاؤهم بإرادة قوية عاملة متجهة إلى تحقيق ما يبغون وما يدعون الله سبحانه وتعالى في التوفيق له ، وإن لم يكن عمل فالدعاء أماني وأحلام ، ولا يتحقق فيها القصد الكامل والضراعة الخاشعة لرب العالمين ; لأن الدعاء مخ العبادة ; فإن كان صادقا فالإرادة تتجه نحوه .
الأمر الثاني : الذي يشير إليه التعبير الكريم : أن
الجزاء ليس على الدعاء ، وإنما الجزاء على العمل ، فيجب أن يعملوا ; فليس الدعاء وحده بمستحق جزاء إن كان العمل ينافيه .
الأمر الثالث : أن
كسب العبد لعمل الخير يطوي في ثناياه جزاءه ، وكذلك كل عمل للإنسان جزاؤه مشتق من منهاجه ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر ; فمن أسدى إلى الناس معروفا ، فقد قدم بهذا الإسداء لنفسه ; ومن أعان مكروبا ، فقد كسب الجزاء ساعة عمل ، وكذلك من قتل نفسا ، فقد قتل نفسه إذ استحق ذلك الجزاء ، ومن سرق فقد قطع يده ، ومن زنى فقد رجم نفسه ، وهكذا
كل امرئ بما كسب رهين
وقد ذيل الله سبحانه وتعالى الآية بقوله الكريم
والله سريع الحساب وسرعة حسابه سبحانه وتعالى كناية عن تحقيقه ، وتحقق يوم القيامة وقربه ، وعلمه سبحانه وتعالى بإحسان المحسن وإساءة المسيء ; لأن تطويل الحساب يكون من جهل المحاسب ، فيبطئ ليعرف ; فإذا كان المحاسب هو العليم الحكيم الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فإن حسابه يكون كريما ; إذ لا تخفى عليه سبحانه خافية .
وفي هذا التذييل إشارة إلى عقاب الذين ليس لهم في الآخرة من خلاق على ما يرتكبون من موبقات ما داموا قد جعلوا الدنيا كل همهم ، وغاية أمرهم ، ومقصد وجودهم .