ولقد
ذم الله النسيء أشد الذم فقال تعالى:
إنما النسيء زيادة في الكفر أي ليس النسيء إلا زيادة في الكفر، فـ(إنما) أداة قصر، فهو ليس إلا زيادة فيه; كفروا بملة
إبراهيم - عليه السلام - فعبدوا الأوثان، وطافوا بالبيت عراة، وكان شرع إبراهيم تحريم القتال في أربعة أشهر معينة بالتعيين، فغيروا فيها بالنسيء، فزادوا بذلك كفرا إلى كفرهم.
وقال تعالى:
يضل به الذين كفروا أي أن شهواتهم في الغارات والقتل والقتال وتحكم الشيطان في نفوسهم يضلهم، ويلاحظ أنه بني للمجهول للدلالة على أن عوامل الضلال كثيرة، رأسها شهواتهم في الحرب، وسيطرة الشيطان على نفوسهم، والعداوة والبغضاء بينهم، وكان هذا لأنهم أصحاب غارات وحروب
[ ص: 3303 ] مستمرة، فإذا جاء الشهر الحرام لم يحرموا ما هم عليه من قتال، بل يستمرون سادرين في غيهم، ويؤخرون التحريم إلى الشهر الذي يليه، ثم يسيرون في غيهم.
ويقول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ربما جعلوا السنة ثلاثة عشر شهرا أو أربعة عشر.
ويقول سبحانه وتعالى:
يحلونه عاما ويحرمونه عاما يحلون النسيء عاما ويمنعونه عاما حسب سيطرة هوى الحرب على أنفسهم، وتحكم شهوتها في نفوسهم، وقد يقصرون السنة عن اثني عشر شهرا؛ ليعوضوا الزيادة التي زادوها، وذلك ليواطئوا عدة ما حرم الله "العدد الذي حرمه الله تعالى وهو أربعة أشهر".
وإنهم بذلك يخالفون ما شرعه الله تعالى، وهو أنه حرم أشهرا معدودة بأربعة، ومعينة بالتعيين، حسب ميقات كل شهر وموضعه من السنة، وبالنسبة لما قبله وما بعده، فبالنسيء خالفوا التعيين، ووضعوا شهرا في موضع شهر من عند أنفسهم من غير علم أوتوه، ولا حجة اعتمدوا عليها، بل هو الهوى، فهم نظروا إلى العدد، ولذلك قال تعالى:
ليواطئوا عدة ما حرم الله أي ليوافقوا العدد لا الأوقات ذاتها، وبذلك أحلوا ما حرم الله، فكان المحرم هو شهر المحرم فأحلوه، وكان الحلال صفرا فحرموه، ولما اضطربت الأشهر وتغيرت مواضعها أحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله، ولذلك عندما أعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحريم الأشهر الحرم قال: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=660187إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " أي صار كل شهر في موضعه لا يبتعد عنه، فرمضان هو رمضان كيوم خلق الله السماوات والأرض، وذو القعدة كذلك، وذو الحجة والمحرم، وبذلك يكون الحلال من الأشهر حلالا والحرام حراما.
ثم يقول سبحانه:
زين لهم سوء أعمالهم أي: زين لهم الشيطان والهوى سوء عملهم القبيح، وبني للمجهول للإشارة إلى أن عوامل كثيرة سولها لهم كفرهم جعلتهم يغيرون خلق الله في الأشهر، ثم قال تعالى:
والله لا يهدي القوم الكافرين لأنهم سلكوا سبيل الغواية، واختاروا الضلال، فساروا فيه، فكان في ذلك ضلالهم، والله سبحانه مع من سلك طريق الحق مختارا هداه إلى نهايته، ومن سلك طريق الباطل مختارا أنهاه تعالى إليه.